تتبنى الأَدْيانُ والثقافات مجموعة واسعة من الأفكار والتعاليم حول الروح، فحقيقتها الغيبية تؤدي لاستحالة استجلاء ماهيّة هذه الوديعة الرحمانيّة ومعرفة كُنْه أسرارها، لكن تتفق الأغلبية على خلودها! كالشّمس تُنير العالم، ذات قائمة بنفسها، ذات طبيعة معنوية غير ملموسة خُلِقت من جنسٍ لا نظير له بعالم الوجود، تمنحنا الإدراك والوعي، فالأرواح تَبعث الحياة كالتيار الذي يُغذي الجسد دون الأخذ بأيّ من خصائصه.. مرورها بالعالم الجسماني فرصة لتنمية قدراتها وإمكاناتها لاستكمال مسيرتها الأبدية بالعوالم الغيبية. يُعزى ظهور الروح بهذا العالم لاستكمال مراحل العلاقة المُتكاملة بين الإنسان والكون، ولاكتساب الكمالات والفضائل بسيرها بجميع مراتب الوجود، كالإنسان الذي يتلقى العلوم ويكتسب الخبرات بِالتجوال في مختلف البلدان ورؤية عادات وتقاليد الأمم وتسيير شؤونهم وأحوالهم ومشاهدة تطورهم، بذات المفهوم تكتسب الأرواح الكمالات بالسير في عالم الوجود، وبالمُرور بِكُلّ الرُتب والمقامات استعدادا للمستقبل، كالجنين الذي يُطوَّرَ «بِرَحم الأم» الحواس المختلفة ووسائل العيش كالأَرْجُل واليدين دون الحاجة إليها آنذاك!! ليستخدمها بعد القدوم لِهذا العالم، فالروح تنمي قدراتها وفضائلها بمرورها بالعالم الجسماني استعدادا للسير والرقي بالعوالم الأبدية. تؤثر الأرواح بشكل كبير بالعالم الجسماني وذلك بإظهار آثار كمالاته حتّى يرتقي الكون لمقام الروحانية اللاّمتناهية، بِحلول الرّوح في الجسد يحيا الإنسان ويتجلّى بتجلّيات الفيوضات الإلهيّة، كانتعاش الكائنات والنباتات ونموها بسطوع نور الشمس على الأرض، ولولا ذلك لظلّت الأرض جرداء دون زرعٍ وحياة، فالعالم يصبح ظلمانيّاً حيوانيّاً محضاً بفقدان كمالات وفيوضات الرّوح، ويتنور بظهورها في الهيكل الجسمانيّ، إنها جوهر الحياة. الإنسانية رّوح العالم التي تمنح الحياة، ولولا وجود الإنسان وظهور كمالاته الرّوحانية وتجلّي أنوار العقل لكانت الدّنيا جسداً بلا روح! فالعالم بمنزلة الشّجر والإنسان بمنزلة الثّمر، ولولا الثّمر لفقد الشّجر فوائده. الإنسان قادر على أن يعكس الصّفات الإلهيّة بقدر ما يُطهّر مَرَايا قلبه وعقله بالدّعاء والتعمق بالنصوص المقدّسة وتطبيقها لتحسين أخلاقه وسُلوكه، وباكتساب المعرفة لخدمة البشر والمُساهمة ببناء المجتمع، أنه مغزى الحياة وهدف الوجود، فالحياة ليست مجموعة من الأحداث العشوائية والفرص العابرة التي تقع صُدفةً بالعالم! الإنسان مخلوقٌ روحاني، تبدأ حياته بارتباط الروح القادمة من العوالم الإلهيّة بالجنين لحظة تكوينه في رحم الأم كانعكاس الشمس بالمرآة، ترتبط الروح بالجسد بحلقة وصلٍ فريدة، لتُشكل واحدة من أعظم رموز الوجود عُمقا وغموضا بجمال تكوينها، وبمجرد انفصال هذه الحلقة يحل الموت. تمتلك الأرواح قابلية اكتساب الفضائل والصفات الملكوتية بسبب انبعاثها من العوالم الإلهية، وتتقدم وتترقى بالعوالم الربانية إلى الأبد بعمل الخير وحب الناس وخدمتهم بلا تمييز، إنه الهدف الأعظم للحياة «فضل الإنسان في الخدمة والکمال لا في الزّينة والثّرْوة والمال». عرفان أمين