بعيدًا عن المفهوم الفلسفيِّ المتكئِ على الأزلية والأولية والواحدية والثبات والكمال واليقينية فلا حقيقة بشريةً مطلقةً ومن يدعي امتلاكها فقد شطَّ بعلمه ومعلومته وظلم نفسَه وغيرَه وادعى وما وعى أن في الكذب حقًا ومع الحقِّ لغوًا وأن صوابَ ما نعتنقه مختلفٌ عن صوابِ سوانا وأننا نتبادل مواقع الخطأ فلا يقينَ معرفيًا ولا موقفَ جامدًا ، وحين الحركةِ يحدث الميلُ فيضِلُّ التوازن ليقعَ الواقفُ ويتعثر الماشي ويموت السليم ويحيا السقيم. )) وداخل الفضاءات المحمومة التي تحكي وتَحيكُ وتحُور وتكُور وتعدل وتجور يدعي القائل إيمانًا ويتبعه الناقل تأمينًا وقد يتوقف التفكير حينها فتمضي الشائعة والكذبة دون محاكمةٍ وربما صدر حكمٌ ظالمٌ أو ناقصٌ أو انتقائيُ،وهو ما نراه في الجدل المؤدلجِ حين تكون العثرةُ الطارئة أو الواهمةُ منطلقَ الحراب تعلنً الحرب بين ابناء البلد الواحد بل بين أبناء الحارات المتجاورة، ولا بأس إن نسينا قضايانا القومية والوطنية لنفرغَ لسبابٍ وتلاسنٍ يميدُ بالمركب المائج وحين الغرق لن ينجوَ أحد. - ليس أيسر من تمريرِ وتبريرِ الكذب والتكاذب؛فتماهي الألوانِ بين الأبيض والأسود يجعل المنطقة الرماديةَ حاكمةً سواءٌ أجاء لونُها باهتًا أم فاقعًا فلا عبرة بالشكل ولو عنى الاسمُ شيئًا لأُسميت المنطقة الخضراءُ في بغداد سوداءَ كقلب حاكمها ولو صدقت التسميةُ لأصبح البيتُ الأبيضُ نقيًا تقيًا يعنيه- وقد آلت إليه قيادة العالم زمنًا - أن يتساوقَ ولو شكلًا مع لونه الأصفى. - يكذِب اللونُ والمتلون والشعارُ والشاعر والتقولُ والقائلُ وتبقى الحقيقةُ مورقةً بصدقها الذي قد يتوارى زمنًا بفعل الغبارِ ،ويفجؤنا أن التكاذب ينتشر والحقائق تنحسر،ومثلما يصنع الكهان في البناء فوق الخيال تجيءُ الشائعاتُ لتفرضَ وجُهاتٍ جديدةً لمساراتٍ مختلفةٍ، وإذا كان الخبر الصحيحُ يفقد خصائصه الأصيلة بالتناقل الشفاهي وفق الدراساتِ التجريبيةِ فإن الشائعات تتقولبُ وتنقلبُ وفق كل الأشكال الهندسية. - ذاتَ عبثٍ قرأت إحداهنَّ كفَّ أحدِهم فهجر دراسته الجامعيةَ حين أنبأته أنه «لن ينجح» وبنى قراره على علاماتٍ روتها له وتصادف أن كانت صحيحة، ويذكر من جربها مقدرةَ المنجمين على استقراء شكل الشخص واستنتاجِ مشتركاتٍ إنسانيةٍ يصدف أنْ يصدقَ شيءٌ منها فيؤسسَ عليها أحكامًا قد تبدل مسيرة حياته، ومع مطلع كل عام يتبارى أولاءِ في توقعاتٍ يتناقلها الناسُ مؤمنين بها أو مترددين بشأنها، وحقها جميعِها التجاهلُ ونفيُها من عوالمِ المستقبليين. - لا يبدو غريبًا أن يجد ثلةٌ من قارئي الفنجان السياسيِّ والاجتماعيِّ رواجًا في الوسائط الشبكيةِ فينقل الناس عنهم ويَعْزون إليهم ولو تقنعوا خلف معرفاتٍ مستعارةٍ و لو حفل تأريخهم المهنيُّ بما يسوؤهم ويسيءُ إلى متابعيهم ،وهو ما يجعل الإشاعاتِ تفتك بالمجتمعِ فتهدر وقتًا وجهدًا وتجذر لغة العداء بين مكوناتٍ لا يجوز بحقها غيرُ التآلف والتكاتف؛ فإلى أين نمضي أو يمضون؟ - الكذبُ صناعة .