عاد مقر «الاعتكاف السياسي» لبابا الأقباط في مصر إلى الواجهة خلال اليومين الماضيين، بعد أن توجَّه للإقامة فيه البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، منذ تعرض كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية للتفجير، يوم الأحد الماضي، ومقتل نحو 45 وإصابة العشرات. ويقع المقر في منطقة وادي النطرون، على بعد نحو 100 كيلومتر غرب القاهرة. وكان قد لجأ إليه البابا الراحل، شنودة، للاعتكاف فيه لأسباب سياسية، بعد خلافه مع الرئيسين؛ الراحل أنور السادات، والأسبق حسني مبارك، لأسباب تتعلق في ذلك الوقت بهجمات المتطرفين على المسيحيين. وظهرت دعوات في أوساط مسيحية خلال اليومين الماضيين، بأن يتم نقل احتفال الكنيسة بعيد القيامة، المقرر له يوم الأحد المقبل، من المقر المعتاد في ضاحية العباسية شرق القاهرة، إلى وادي النطرون، لكن معظم قادة الكنيسة لم يتحمسوا لهذا الاقتراح. وقال المفكر المصري، جمال أسعد، لـ«الشرق الأوسط»: «لو تم عمل القُدّاس في وادي النطرون فستكون هذه هي المرة الأولى. لكن أنا أستبعد أن يتم هذا». وقررت الكنائس المصرية إلغاء الاحتفال بعيد القيامة، حداداً على ضحايا تفجيري كنيستي «مار جرجس» في طنطا، و«المرقسية» في الإسكندرية. وقال مصدر كنسي: «في حال نُقِل الاحتفال لوادي النطرون، فسيفسر الأمر عن اعتبار أنه احتجاج سياسي، وعدم ثقة في السلطات الأمنية». وتابع قائلاً إنه جرى التوصُّل حتى الآن إلى أن يكون مقر الاحتفال، كما هو، في العباسية، على أن يبدأ مساء يوم السبت المقبل، وأن يقتصر فقط على أداء صلوات القداس، بينما يُخصَّص اليوم الثاني (الأحد) لاستقبال العزاء في ضحايا التفجيرات. وتضامنت الكنيستان «الكاثوليكية» و«الإنجيلية» في مصر مع الكنيسة «الأرثوذكسية» وقررت كل منهما إلغاء الاحتفالات، والاقتصار على أداء الصلوات، وتقبُّل التعازي. وقال القس عيسى داود، راعي كنيسة النعمة الإنجيلية في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، جنوب القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «كنائس كثيرة ألغَت الاحتفالات، بما فيها الكنائس الإنجيلية.. يوجد احتجاج عام، وهناك حالة حزن، ولديهم شعور بالتقصير الأمني»، مشيراً إلى أن الكنائس الإنجيلية «ستقوم بأداء الصلوات العادية، ولن تقوم بأي مظاهر للاحتفالات». ومنذ تفجيرات الأحد الماضي، توجَّه البابا تواضروس إلى وادي النطرون، ولم يظهر إلا يوم أول من أمس، حين استقبل وفداً من الفاتيكان، لنقل تعازي البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في ضحايا حادثي الكنيستين. وضم وفد الفاتيكان أربعة كرادلة. وتزامن مع ذلك ظهور دعوات داخل عدة كنائس مصرية بإقامة صلاة قداس عيد القيامة في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، بدلاً من كنيسة العباسية. ومن جانبه، تابع المفكر أسعد موضحاً: «أعتقد أنه لا داعي لأن يجري القداس في وادي النطرون.. لأن معنى هذا أنه نوع من الاحتجاب والاحتجاج على ما حدث. كان يمكن أن يحدث الاحتجاب في الدير أيام البابا شنودة، لصراعه مع النظام وقتذاك، حيث كان يتهم النظام بأنه هو الذي يرعى العمليات الإرهابية، وأنه يظلم المسيحيين... إلى غير هذا من الكلام». وقال أسعد: «إذا كان الإرهاب الآن في مواجهة الجميع، بل في مواجهة الدولة ذاتها وليس النظام فقط، فالأمر يتطلب من الجميع مواجهة الإرهاب». وأشار إلى أنه إذا لجأ البابا تواضروس إلى الاحتجاب السياسي في وادي النطرون، فهذا سيعطي رسالة بأن العمليات الإرهابية أتت بنتائجها المطلوبة، وهو أن يكون هناك انفصام واعتراض من الكنيسة، وكأنها تمثل المسيحيين سياسياً. وأضاف موضحاً أن المواطنين المسيحيين «الذين (استُشهدوا)، هم مسؤولية الدولة، وليسوا مسؤولية الكنيسة. والحداد والحزن من كل المصريين. ولو هذا التصرف (اللجوء للاحتجاب في وادي النطرون أو إقامة قداس القيامة هناك) تم، فسيكون في غير موضعه، ويزيد الملف الطائفي، ويعزز مكانة الإرهاب»، مشيراً إلى أنه «لم يحدث أن جَرَتْ صلاة العيد في الدير (بوادي النطرون)، والبابا شنودة، أيام السادات، كان يذهب للدير لكي يعتكف وهو نوع من الاعتراض». ومن جانبه، أكد القس داود أنه لا يعتقد أن السبب وراء إقامة البابا تواضروس في الأيام الأخيرة بوادي النطرون يتضمن رسالة سياسية. وقال: «لا أعتقد ذلك، لأن السيد رئيس الجمهورية تضامَن مع القضية بكل شكل من الأشكال، واتخذ إجراءات صارمة حالياً لحماية الكنائس، وفرض حالة الطوارئ، وتعامل مع الموضوع بكل حسم، بما في ذلك إقالة مدير أمن الغربية (وعاصمتها مدينة طنطا)». وتابع القس داود، قائلاً إن «طاقم الحراسة (من الشرطة) في الكنيسة المرقسية ماتوا وهم يمنعون دخول الانتحاري. ولهذا لا أعتقد أن البابا لديه احتجاج، خصوصاً أننا نشعر بأن الرئيس السيسي يحاول بكل الطرق أن يمنع وقوع مثل هذه الحوادث. لا أعتقد أن وجود البابا في وادي النطرون يحمل أي رسالة للقيادة السياسية في مصر». وعما إذا كانت توجد أماكن في وادي النطرون تصلح للاحتفال، قال القس داود: «توجد أماكن كثيرة... وادي النطرون مكان كبير، وفيه مذبح، وفيه كل أدوات إقامة الاحتفال، لكن أقول لك إن القداسات هذه السنة ستكون خالية من أي مظاهر للاحتفال. مجرد أعياد عادية مثلها مثل أي يوم أحد». وأضاف موضحاً أن «كل القداسات والاجتماعات ستكون قاصرة على الصلوات فقط، حتى عندنا في كنيسة النعمة، وتقريباً في كل الكنائس الإنجيلية، لن تقام الاحتفالات المعتادة، وذلك تضامناً مع أسر (الشهداء) والمصابين. ومواساة لهم في أحزانهم». يُشار إلى أن البابا تواضروس كان قد زار وادي النطرون قبل حادث استهداف الكنيستين بعدة أيام، حيث أشرف من دير «الأنبا بيشوي» على مراسم إعداد «زيت الميرون المقدس»، بحضور أكثر من تسعين من المطارنة والأساقفة.