×
محافظة المنطقة الشرقية

مدائن مرحلة جديدة للجامعات (1-2)

صورة الخبر

سياسة "الأرض المحروقة".. كانت ملجأ جماعة الإخوان المسلمين، بعد عزلهم وكف أيديهم عن قيادة إدارة دفة البلاد في مصر. فبعد أن فرغت الجماعة من التعبئة والحشد للشارع، وضربت عرض الحائط برغبة أكثر من نصف الشعب المصري الذي سئم وجودهم في حكم مصر، لم تكترث قيادات الجماعة بالتهديد صراحةً، وعبر المنابر، بالموت في سبيل الحفاظ على السلطة، دون أدنى حساب أو اكتراث منها لما سيحدث، من فرقة ودمار، وتصادم في الشارع المصري ما بين رافض ومؤيد لوجودهم بما ينعكس على الوضع المحلي في البلاد بشكل سلبي، وهو ما تم فعلياً. الرئيس المعزول قال يوماً مُتسائلاً "ما المشكلة إن ذهب أو قتل العشرات في سبيل الحفاظ على الشرعية". كانت تلك "كلمة سر"، ذهبت معه، إلى أن قال في خطابه الأخير الشهير "ثمن الحفاظ على الشرعية.. حياتي". حينها تفاقم الوضع، وأخذت الجماعة بترتيب أوراقها. والتجهيز للاعتصام والميادين، تحسباً لما قد يحدث على يد الجيش. الإخوان والمشروع الأميركي في عام 2003 تم ترتيب حوار بين "التنظيم الدولي للإخوان" ومسؤولين بالإدارة الأميركية بعد اتهامها بالتسبب بعدة مشاكل في العالم العربي، فضلاً عن الحملة التي واجهتها الجماعة بالكويت، عقب الكشف عن تحركات المسؤول الدولي للتنظيم الإخواني يوسف ندا بأزمة احتلال العراق للكويت عام 1990 دون علم الكويت. المثير للدهشة، هو أنه على الرغم من اتهام وسائل الإعلام الغربية لجماعة الإخوان بأنها "مصدر إلهام" الحركات الأصولية الإرهابية حسب تصنيفات الخارجية الأميركية، لكنها لم تتضمن اسم جماعة الإخوان، وهذا يقودنا لما حدث في مارس 2004، حينما أعلنت واشنطن مشروعها المعروف باسم "الشرق الأوسط الكبير" فقد خرجت جماعة الإخوان بمبادرة تشابهت خطوطها العريضة مع المشروع الأميركي، وكانت المسألة اللافتة تضمين مبادرة الإخوان، مفردات مثل الإصلاح السياسي الشامل ضمن الأهداف الرئيسة التي وردت في مشروع الشرق الأوسط الكبير. رفع الصوت.. لدرء الشبهة وبدا واضحاً منذ عزل محمد مرسي وسقوط نظام حكم الإخوان أن واشنطن لا تكترث بالهتافات المناوئة لها من أنصار الإخوان لدرء شُبهة الدعم الأميركي لها، لكن هل يمكن تجاهل الخلاف الجوهري بين المشروعين "الإخواني والغربي". ولنفهم أبعاد هذا الأمر الشائك تقودنا العودة لرؤية صموئيل هنتنجتون، الذي يكشف أبعاد نظريته الشهيرة حول "صراع الحضارات" قائلاً: "إن القرن الحالي هو قرن "حرب المسلمين"، لذلك فإن أوروبا وبعد قرون من الحروب والاضطهادات الدموية تعلمت درس التاريخ، وبالتالي فإنه بغير استلهام التجربة الأوروبية، فلن يمكن التوصل لصيغة "تعايش حتمي" بين مواطنين يعتنقون مذاهب وعقائد مختلفة، وقدرهم أن يعيشوا معاً في وطن واحد. هكذا ترى النخبة الغربية الصراع، أما على صعيد الواقع المصري، وربما العربي برمته، فلا يمكن إغفال وجود تيار متطرف استمد رؤيته من كتابات سيد قطب، خاصة كتابه المثير للجدل "معالم على الطريق" الذي أسس فيه لنظرية تمثلت في مقولات الجاهلية والحاكمية ودار الحرب، وغيرها من مفردات "التكفير" فيقول: "حين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر، فإن هذه العقيدة ذاتها تقول لهم: أنتم الآن مجتمع إسلامي مستقل، منفصل عن المجتمع الجاهلي وهنا يكون المجتمع الإسلامي قد وجد فعلا". -- التأثر في الخطاب "القطبي" ويُثار سؤال عما إذا كانت جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي بقيادة رجال رضعوا أفكار سيد قطب يفكرون حقا في مواجهة العالم، آخذاً بالاعتبار أن كافة الحركات المتطرفة بالعالم والمنطقة، تأثرت بالخطاب القطبي، لا سيما بمفهومي "الجاهلية" و"الحاكمية"، التي ترى أن كافة مجتمعات العالم "جاهلية"، وبناء عليه فإن ذلك يتمثل بسبب واحد هو غياب "الحاكمية" وبالتالي يقول قطب إنها "دار حرب" وينبغي قتالها إن آجلاً أو عاجلاً. يأتي هذا في الوقت الذي تتجاهل فيه الإدارة الأميركية الخطاب المعادي لها خلال التظاهرات، وهنا يثور سؤال عما إذا كانت إدارة أوباما تجهل هذه المفاهيم "القطبية التكفيرية" التي تتبناها قيادات الإخوان، أم أنها كانت تتصورهم "حلفاء المرحلة" لدعم مصالحها بالمنطقة، أم أن هناك "اختراقات إخوانية" لهذه الإدارة، وما قصة هذه الاختراقات التي سُربت دوائر أمنية أنباء بشأنها مؤخرا؟ بداية القصة بدأت القصة قبل اندلاع ثورة 25 يناير، حيث كانت اللقاءات تتم بين الجماعة ومسؤولين أميركيين للتفاهم حول القضايا الرئيسة. لكن بعد يوم 28 يناير حين دخلت الجماعة على الخط، أدركت واشنطن أن نظام مبارك بات آيلاً للسقوط، فغيرت لهجة الخطاب وفكرت في التعامل مع نظام مستقر حتى لو كان يبدو مناوئاً لها، وكانت جماعة الإخوان هي البديل الجاهز بتقديرها فبدأت التفكير بدعم وصولهم للسلطة. وبالتزامن مع ذلك رتب مسؤولون "إقليميون" عدة لقاءات بين قيادات الجماعة والأميركيين، حاولوا خلالها توجيه رسائل طمأنة لواشنطن حول القضايا الخارجية، واستمرت اللقاءات التي أسفرت عن تأكيدات واشنطن على مطالبها من الجماعة وهي: عدم المساس باتفاقية السلام مع إسرائيل، بالإضافة لتقديم تسهيلات بحرية وجوية والإبقاء على المصالح الأميركية بمصر دون مساس، وفي المقابل طلب الإخوان زيادة الاستثمارات الأميركية بمصر، والحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين. أوباما والرؤية الإيرانية تكررت بعدها اللقاءات والتفاهمات بين واشنطن والإخوان لدرجة كشفت معها مصادر أجهزة سيادية مصرية عن دور عدد من قيادات التنظيم الدولي للإخوان في تمويل حملة أوباما خلال انتخابات الرئاسة الأولى عام 2007 والانتخابات الثانية، وأشارت لستة أشخاص اعتبرتهم الأكثر أهمية من العاملين بالإدارة الأميركية ومن الموالين للتنظيم الدولي للإخوان، يلعبون دور "حلقة الاتصال" بين الإخوان وإدارة أوباما، فضلاً عن "هوما عابدين" مستشارة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون الخاصة وصديقتها المقربة. والحاصل أن مؤشرات التحولات بمنطقة الشرق الأوسط لم تتضح معالمها النهائية بعد، لكن الصورة في واشنطن بدأت تتحول نحو الأسوأ، فالمكانة الأميركية بالمنطقة تراجعت، مع الإشارة إلى أن المنطقة مجال بالغ الأهمية لمصالح واشنطن الحيوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد بدأ تآكل النفوذ الأميركي تدريجياً، وهذا نتيجة سياسات عدة إدارات متعاقبة، لكن تحولاً نوعياً حدث أثناء فترتي حكم إدارة أوباما، إذ اخترقتها شخصيات ومؤسسات تتبع "التنظيم الدولي للإخوان"، ولهذا الأمر قصة نسعى في هذه السطور لكشف سر اختراق الإدارة الأميركية إخوانياً، أو تماهيها وتوافقها مع المشروع الإخواني الأممي العابر للحدود. خطاب جامعة القاهرة الشهير وباستقراء السلوك السياسي لإدارة أوباما منذ خطابه الشهير بجامعة القاهرة، يمكن للمراقب أن يكتشف ببساطة أبعاد الخطايا التي سقط فيها، وهي أن رئيس دولة ليبرالية كان ينبغي عليه بداهة ألا يسقط في فخ تصنيف سكان المنطقة وفق معتقداتهم الدينية، فقد تصرف أوباما في كافة الاتصالات الاستراتيجية وفق ما يريده الخصم الإقليمي المفترض لواشنطن، وهو إيران. لأنها هي التي تصر على تجاهل الخصوصيات الثقافية والسياسية لدول المنطقة، لتحشدها تحت راية واحدة تعتبرها طهران عنواناً يجب على الجميع تجاهل خلافاتهم السياسية والعقدية وحتى المصالح لمناصبة أميركا العداء، بل وتصدير العداء لكافة الدول السُنّية كمصر والسعودية والأردن، وذلك بعد تحالفها مع نظام الحكم الطائفي الفاشي في سورية، الذي انزلق لمستنقع الحرب الأهلية، كما مزق لبنان ليجعل وكيله الإقليمي "حزب الله" دولة داخل الدولة، وقضت بالفعل على مبدأ "المواطنة" لتصبح الحالة اللبنانية نموذجاً للعيش والقتال والقتل على الهوية الطائفية، وما ستسفر عنه الأوضاع في سورية يُنذر بالأسوأ في لبنان ويهدد القضية الفلسطينية، بعد أن نجحت طهران في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، بتأييدها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، الأمر الذي مزّق شمل الصف الفلسطيني، ولا يبدو أن هناك ثمة مصالحة جادة في المدى المنظور، لأن حماس لن تتخلى عن حكم غزة مهما كان الثمن. وهكذا يمكن القول إن خطايا أوباما بدأت في خطابه بجامعة القاهرة، حينما خالف أبسط معايير الممارسة السياسية بالحديث عن "عالم إسلامي موحد"، متجاهلا بذلك الواقع الراهن، وأيضاً في الوقت الذي تُشكّل فيه علاقات واشنطن مع هذه الدول حجر الزاوية للسياسة الأميركية الشرق أوسطية، وبالسير في حقل ألغام دون أن تكون لديه خريطة لمواقع الألغام، وبتعبير أدق يثير التساؤلات، ليس لديه سوى خريطة تتماهى مع الرؤية الإيرانية للشرق الأوسط، الأمر الذي يؤكد أن العداء الظاهر بين طهران والغرب مجرد أكذوبة، فهناك مصالح مشتركة وتفاهمات تحت الطاولة، لاستخدام طهران كفزاعة مستغلة الأوهام التوسعية. نفوذ طهران.. والتحالفات الموقتة وبعدما خسرت طهران حليفها الأول في دمشق أصبح الأمر واضحاً، فحتى الآن لم تسقط سوى الأنظمة الموالية لأميركا، في مصر وتونس وليبيا واليمن، واستفاد الإيرانيون من الأخطاء الأميركية التي أعقبت هذه التحولات، فضلاً عن أن تحالفات موقتة عززت نفوذ طهران في العراق ولبنان. حكم الجماعة.. "مستقبل ضبابي" وخلال حكم مرسي وجماعته "الإخوان" كان مستقبل مصر يبدو ضبابي المعالم، لكن العزاء الكبير بقي في نفوس المصريين، فقد حسمت إرادة شعبية مدعومة بالجيش الذي ساند الشعب في الثورتين سواء 25 يناير، أو 30 يونيو، لكن في الثانية تبلور صراع تقوده جماعة الإخوان وتؤيدها واشنطن صراحة حيناً، وخلسةً أحياناً، ورغم أن الجيش المصري لا يريد حرباً مع إسرائيل ولا يريد خسارة مليارَي دولار سنوياً كمساعدات أميركية، لكنه أيضاً يبسط تدريجياً الاستقرار بحسم المواجهات المسلحة التي يقودها أنصار الإخوان، بينما يعتمد المسار المصري الجديد على دعم إقليمي من دول عربية تتصدرها السعودية، وخلفها الإمارات والكويت والبحرين، وأخرى دولية كروسيا التي تسعى لاستعادة حضورها بالشرق الأوسط، وبالتالي فقد أمست المنافسة الإقليمية ساخنة كما لم تكن أبداً، ليس فقط بسبب المواقف الأميركية المتناقضة، ولكن أيضاً بسبب الطموحات الإيرانية والتركية.