تصريف المستهلك والتالف من الطعام والكساء ومستلزمات المعيشة، وتقديمها مساعدات ومعونات للفقراء والمحتاجين ليس من العمل الخيري في شيء، إذ لا يعدو الفقير أو المحتاج في هذه الحالة أن يكون بديلا عن التخلص النهائي من ذلك الرجيع برميه وإتلافه، وفي ذلك امتهان فادح لحاجة المعوزين، وفهم غير سوي لطبيعة العمل الخيري، والمقاصد السامية التي تأسس عليها مفهوم الصدقة في الإسلام، وما أكدته النصوص الدينية من طيب النفقة، وتلافي إنفاق ما لا يقيم للفقير كرامة، ولا تبرأ به ذمة الغني، ولا يتطامن إليه ضميره. وقبل أيام امتنع فقراء ومحتاجو الإسكان الخيري ببلدة الغالة التابعة لمحافظة الليث عن قبول كميات كبيرة من المفروشات المستهلكة، وقطع الأثاث المهترئة التي قدمت لهم بصفتها مساعدات ومعونات من هيئة الإغاثة الإسلامية، وإن لم تكن في الحقيقة أكثر من رجيع بعض الفنادق التي طالتها مشاريع الإعمار الجديدة في مكة، حين قررت التخلص من عفشها المستهلك بتسليمه مستودعات هيئة الإغاثة، التي قررت بدورها تصريف الحمولة لفقراء إسكان الغالة، دون أن تأخذ في الاعتبار تهالك تلك المساعدات، وتقادم العهد بأكثرها، فضلا عن المخاطر الصحية المحتملة لإعادة استعمال بعض تلك المستلزمات كالمراتب والمفارش دون أن تخضع حتى لعملية تنظيف أو تعقيم قبل توزيعها، الأمر الذي أزهد فيها الفقراء، وحملهم على رفضها، مؤثرين السلامة والكفاف على قبول مساعدات لا تنهض بحاجاتهم، ولا تحقق غايات العمل الخيري، ومفاهيم الصدقة. المشرف على المشروع الخيري بالغالة بدوره لم يزد أن قال ــ بحسب صحيفة سبق ــ (إن المواطنين ليسوا مجبرين على استلام تلك المساعدات إنما هم مخيرون فقط، إن أرادوا أخذها، وإن لم يريدوا فليتركوها)، وكأنه هنا يلقي الكرة في ملعب المحتاجين فحسب، دون أن يقول شيئا بشأن صلاحية تلك المساعدات وملاءمتها للاستخدام، وكان الأحرى عدم قبول تلك المساعدات، أو غير المناسب منها على الأقل، بدل التحدث بما يشبه الملامة تجاه من لم يرض بطراحة ممزقة، أو مخدة مهترئة. إن العمل الخيري كل متكامل ليست غايته سد الاحتياج كيفما اتفق، إنما مفهومه الأسمى تحقيق تكافل حقيقي يتقصى العوز ويحفظ الضرورات ويعلي الكرامة.