×
محافظة المنطقة الشرقية

مالي أول وجهة للاستثمارات المغربية في أفريقيا

صورة الخبر

يعترف الكاتب المصري سعد القرش بأنه قضى عشر سنوات من حياته المبكرة تحت سطوة فكر جماعة الإخوان المسلمين. لم ينضم سعد فعلياً إلى التنظيم، إنما كان مجرد مشروع عضو تحت الاختبار، ويبدو أنه لم ينجح، لحسن «حظه». ويمكن استنتاج الأسباب أو تخمينها من خلال قراءة النص التحتي subtext للمقدمة التي وضعها المؤلف ضمن أحدث إصداراته «سنة أولى إخوان» (الدار المصرية اللبنانية- القاهرة). يسعى التنقيب في النص التحتي الى سدّ الفجوات وملء الفراغات وتخيل الأجوبة عن أسئلة كثيرة تطرحها القراءة، وفي مقدمها: كيف نجح القرش في الإفلات من أسر أفكار الإخوان وخطابهم الذي حاصره منذ اطلع على مجلة «الدعوة» في العام 1979؟ علماً أنّ تلك المجلة بأفكارها العنصرية التي لا تعتمد على مخاطبة العقل، دفعته الى تحطيم رأس تمثال في المدرسة، وحددت له زاوية رؤية الدنيا والناس والمجتمعات والمرأة، كما رسخت المجلة في قلبه أنّ جمال عبدالناصر كافر، إذ يرونه «رأس الجاهلية في القرن العشرين»، بعدما عادى جماعة الإخوان المسلمين، «فمن يعادي الجماعة إنما يعادي الله ورسوله»... ناهيك عن مجلة «الأمة» ولقاءات بأصدقاء في المساجد، وصولاً إلى قراءات أخرى من الكتب الدينية لمفكرين وعلماء متشددين، وانتهاءً برحلة إلى الإسماعيلية مع أفراد الإخوان كانت على الأرجح هي الحاسمة بشأن عدم تجنيده. يبدو الكتاب (174 صفحة) كأنه يسير في خطين متوازيين في عقل القارئ لا في متن العمل نفسه. فالتجربة الشخصية والتجربة العامة، كلتاهما ترد على الاخرى. يسرد سعد القرش التجربتين، بأسلوب يجمع بين الروائي والوثائقي، وقائع 369 يوماً حكم فيها الإخوان مصر، من دون أن يغفل الإشارة إلى تاريخهم الملوث بالدم والعنف، وظروف نشأة تلك الجماعة بدعم إنكلترا كـ «جزء من خطة بريطانية لدعم قواعد بناء اليمين الإسلامي كسلاح ضد الشيوعيين والوطنيين المصريين وضد جمال عبدالناصر». ثم دور أميركا في دعم الإخوان، وتطور تلك الجماعة ومهادنتها وتواطؤها مع السلطة، حتى لو كانت سلطة احتلال. إنّ الرؤية المتوازية للتجربتين تتيح للمتلقي عقد مقارنة بين المبررات التي جعلت سعد القرش ينفض من حول التنظيم، بعدما قضى سنوات صباه في التشدد الفكري والديني، وبين الأسباب التي جعلت الشعب المصري ينقلب على الإخوان بعد عام على وجودهم في سدة الحكم ويثور عليهم. تُؤكد المقارنة أن الكذب والتناقض والاستعلاء على الآخر والقسوة والخشونة وفظاظة السلوك كانت سمات ملتصقة بالجماعة في الحالتين. لكنّ سعد القرش نجح في الإفلات من «الضلال وسنوات التيه» – على حد وصفه – من المرحلة الإعدادية حيث فترة المراهقة والصبا وما يكتنفها من تحولات وشطط وتشدد فكري، وقد امتدت حتى قبيل تخرجه في الجامعة. وقد ساعدته على ذلك أسباب عدة منها شخصيته التي تأبى أن تُصبح فرداً في قطيع، وعدم انصياعه للأوامر وإصراره على النقاش، والتعبير عن رأيه المتشدد حينما كان لا يزال على «طريقتهم». لعلها كثرة الأسئلة التي راودته ولا تزال! ربما أيضاً لأنه طوال رحلة البحث عن اليقين كانت الأساطير تتفتت أمام عينيه بالتدريج، فأنور الجندي الذي طالما أعجب به القرش لكثرة ما هاجم المثقفين ودانهم - من مؤلفاته «محاكمة فكر طه حسين» - كان تارة يستشهد برأي صلاح عبدالصبور عندما ينتقد «الابتذال» في بعض الأفلام المصرية، ويسجّل طوراً في موضع آخر أنّ «مؤامرة الشعر الحر سقطت بموت صلاح عبدالصبور». وعندما أتيح للمؤلف أن يلتقي الجندي ويقيم معه حواراً دُهش لجرأته في أن ينتقد ما لا يقرأ ومن لا يعرف مثلما فعل مع عبدالحميد جودة السحار وإحسان عبدالقدوس، ودُهش أيضاً لمؤازرة الجندي للشيخ متولي الشعراوي في دفاعه عن السادات ولالتماس العذر له في مقولته: «لو أن الأمر بيدي لجعلت الرئيس المؤمن محمد أنور السادات في مقام الذي لا يُسأل عما يفعل»، مؤكداً – أي الجندي - أنه «يكفي الشعراوي دوره الكبير في محاربة المدّ الشيوعي». المدهش في الأمر أن الجندي كتب مقالاً ذات يوم يدعو فيه إلى «الالتفاف حول ثورة يوليو 1952، وحول قائدها عبدالناصر»، وعندما سأله سعد القرش عن المقال ليحرجه وليكشف تناقضه أجابه: «كل شيء يجب أن يناقش في سياقه التاريخي وظروفه الموضوعية». ومن الأمور الصادمة للمؤلف اعتراف الشيخ الشعراوي في أحد الحوارات التلفزيونية، في منتصف الثمانينات، بأنه لم يقرأ كتاباً منذ أربعين سنة، وبأنه سجد شكراً لله في أعقاب هزيمة 1967. كانت التناقضات تتراكم وتفعل فعلها في العقل الباطن، حتى جاء يوم التقى فيه سعد القرش الشيخ محمد الغزالي وعرف رأيه بشأن الغناء في كتابه «الحق المُرّ» وما فيه من تناقض. ثم قرأ موقفه السلبي من اغتيال المفكر المصري فرج فودة، إذ دان الضحية ووصفه بالكافر المرتدّ. في تلك السنوات – وبينما الأساطير الإخوانية تتهاوى تدريجاً - أخذ سعد القرش يقترب من مفكرين ومبدعين مثل يحيي حقي، ومحمود أمين العالم، ورجاء النقاش، وأخذ يقرأ في الآداب والفنون ويشاهد السينما ويستمع إلى الغناء والموسيقى. بدأ يقارن بعقله الحر بين «ما كُتب عن يحيى حقي وما لمسه من سلوكه، وبين سهام الغزالي ضد معارضيه، بين رحمة الآخرين بالناس والوطن وبين فظاظة المتشددين وغلظتهم وخشونة ألفاظهم وسلوكهم» قد تسجل على كتاب «سنة أولى إخوان» تحفظات كثيرة، لكنه يبقى أحد المراجع المهمة التي توثق شهادات ووقائع بارزة خلال فترة حكم الإخوان. إضافة إلى ذلك، يبحث المؤلف عن تفسير سيكولوجي لتصرفات الإخوان ومُطارديهم والشباب المراهق المغسول عقله الذي يسير كالأعمى تحت قيادتهم، وذلك من خلال تأمل المؤلف لنفسه وتحليل سلوكه نفسياً بعد ما يزيد على عشرين سنة. والأهم أن الكتاب يحوي جزءاً جوهرياً في مديح الفن والأدب ودورهما في تجفيف منابع التشدد، وفي إنقاذ شاب من براثن جماعة الاخوان المسلمين، وليحولا دون وصوله الى مكتب الارشاد، شاب أصبح مبدعاً له مجموعتان قصصيتان وخمس روايات إضافة إلى كتب في أدب الرحلات وثلاثة كتب عن الثورة المصرية. الأخوانارواية