يحاول الجيش التركي لملمة جروحه من الإحباط الذي أصابه نتيجة قضيتي انقلابي جماعة «أرغينيكون» وخطة «المطرقة» ضد حكومة رجب طيب أردوغان، واللتين أطاحتا قادة عسكريين ومئات من الضباط والجنود وتسببتا في سجنهم. لكن حزب الشعب الجمهوري المعارض كشف جرحاً آخر في جسد المؤسسة العسكرية، عبر مساءلة ممثله في البرلمان النائب ولي اغبابا وزير الدفاع عصمت يلماز في شأن انتحار عشرات من العسكريين ووفاتهم خلال تأدية عملهم. وردّ الوزير على المذكرة بإعلان وفاة 166 عسكرياً خارج القتال خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، بينهم 108 حالات انتحار، والباقون في حوادث أو جرائم تخضع لتحقيقات أمام محاكم عسكرية. وأشار إلى مقتل 40 عسكرياً بسبب الاستخدام الخاطئ للسلاح، و17 آخرين في حوادث تسمم وغرق وسواها. ولم يوضح الوزير مبررات ازدياد حالات الانتحار وأسبابها، فيما لفت حزب الشعب الجمهوري إلى الإحباط الشديد لدى العسكريين، بعدما فقدوا نظرة المجتمع المميزة إلى مكانتهم، وباتوا يواجهون ظروف عمل داخلية صعبة، تنتج من استمرار اعتباره المؤسسة صندوقاً مغلقاً لا تمكن معرفة مشاكله. وبرزت مشكلة الانتحار في صفوف الجيش التركي خلال تصاعد الحرب مع حزب العمال الكردستاني في التسعينات من القرن العشرين، ثم تراجعت كثيراً بعد الهدوء الذي ساد بين عامي 1999 و2006 ، قبل أن ترتفع قليلاً من دون أن تتجاوز إطار الظاهرة الفردية. ويقول خبراء في شؤون الجيش إن «تسلط القادة وتعاملهم القاسي مع الجنود والرتب الأدنى، يشكلان السبب الرئيس لانتحار جنود يشعرون بأن كل الأبواب أغلقت في وجوههم، وبأن لا مجال لسماع شكواهم. كما تغلّف جرائم قتل بستار الانتحار، وبينها قضايا تنظر فيها محكمة الجنايات في أنقرة». وفاقم ظاهرة الانتحار أخيراً التوتر الشديد داخل المؤسسة العسكرية، إثر تهديد أفرادها باحتمال سجنهم «في أي وقت» بتهمة التعاون مع انقلابيين. وكشفت التقارير ارتفاع عدد الجنود الذين يرفضون تنفيذ أوامر شفوية يصدرها قادتهم، ويصرّون على تبلغهم أوامر خطية لتفادي احتمال مواجهتهم أي تهمة بسوء استخدام الصلاحيات. كما دفع تدني رواتب العسكريين قياساً إلى الغلاء المعيشي مئات من الضباط إلى ترك الخدمة والاستقالة، وبينهم مئة طيار استقالوا هذه السنة. ويبدو أن المؤسسة العسكرية التي اعتبرت سابقاً الأكثر تقديراً في تركيا والأفضل على صعيد الامتيازات الممنوحة لأفرادها، فقدت القدرة على جذب المواطنين للالتحاق بصفوفها.