لِمَ لا تقوم جامعاتنا بتدريس الشيلات أو عمل كراسي لها؟ على الأقل سيجد طلابها دخلا محترما بعد التخرج، وفي الوقت نفسه لن يغضب أي أحد في مجلس الشورى قد يعتقد البعض أنه لا توجد علاقة بين أضلاع هذا المثلث! ماذا يجمع «الشيلات» والشعر الشعبي مع جامعات العلم؟ وما دخل مجلس الشورى بهذا الخليط؟ لكن العلاقة قوية ربما من دون أن نتتبع أو نعلم! ستجدون العلاقة أقوى مما توقعنا عندما تنهون قراءة هذا المقال، لقد مرت على المجتمع عدة أخبار مؤخرا، ولنبدأ بخبر لأحد أعضاء مجلس الشورى الموقر، وقد يقول قائل إن العضو قد لا يمثل المجلس، ولكن المهم -شئنا أم أبينا- هو عندما يعرف أنه ينسب لمجلس الشورى، إذ إنه يطالب بتقليل القبول في الجامعات! في سابقة ربما لم يفعلها أي عضو يمثل مصالح الشعب حول العالم، لأنهم عادة يطالبون بالعكس، من باب أن يرضوا مصالح مواطنيهم، لكن الأهم أن هناك حاليا موجها حول العالم في الدول المتقدمة، مثل اليابان وسنغافورة، في الحكومات نفسها يطالب ويعطي تسهيلات لزيادة عدد الجامعيين، لأنهم اكتشفوا أن الاقتصاد الحديث والقيمة المضافة هما اقتصاد المعرفة، وهما اللذان ينعشان الاقتصاد وليس الأعمال اليدوية التي سيحل محلها صناعات أخرى، الآن بعض الدول بدأت تقلل رسوم الجامعات، وتعطي محفزات لكي يزيد عدد الجامعيين، وسأعطي مثالا بسيطا عن فكرة شخصين جلبت 8 مليارات دولار دون أي رأسمال يذكر، شابان يابانيان وضعا فكرة لعبة إلكترونية، وكل ما تحتاجه عبارة عن فكرة والبرمجة والتصميم، وهذه الفكرة أنتجت لعبة إلكترونية نجحت نجاحا باهرا، ومع الوقت أنتجا عدة نسخ وتحولت إلى سلسلة من الأفلام، فقط دخل الأفلام تعدى مليارا و250 مليون دولار، هل هذا الاقتصاد الملياري لن تنتجه مئات آلاف أعمال السباكة. أما موضوع الجامعات والعلم فقد أصبح ذا شجون، فالأخبار المكررة عن وظائف تخصصات نظرية تطلب كوادر من دول أقل ما يقال عنها إنها ليست بالسباقة أو العالمية كثرت، بينما بعض حملة الشهادات العليا من المبتعثين السعوديين يشكون البطالة، ونسمع أصواتهم من خلال الحملات في وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدهم الجامعات لأسباب غير مقنعة وواهية، ولو طبقت جزءا من هذه الشروط على من تحضرهم الجامعات من متعاقدين من الخارج لما قبل أحد، لكن الشطارة على السعوديين، ولنا في متخصصة علم النانو وبيع الشاورما أكبر مثال! والتي كنت قد تطرقت لموضوعها في إحدى المقالات، ومن ثم أصبحت حديث الساعة في التواصل والإعلام، لقد أصبحت بعض الجامعات قلاعا يشتكي من حصونها المبتعثون الذين عادوا! وليت الجامعات تقدمت علميا أو حتى فعلوا وأضافوا اختصاصات سوق العمل، لكن نسمع جعجعة ولا نرى طحنا. أما الضلع الثالث في المثلث فهو الشيلات والشعر الشعبي، فلقد بلغت جوائز الشيلات والشعر الشعبي 5 ملايين ريال، وأنا هنا لا ألوم الإخوة المهتمين بمزاين الإبل والشيلات، بل إنني أقدّر اهتمامهم، ففي الغرب المهتمون بالفن يشترون اللوحات بعشرات الملايين، فكيف لك أن تلوم شخصا على شغفه لأن الآخرين لم يهتموا بشغفهم كما يفعل هو. الشيخ «عادل الكلباني» بفكاهته المعتادة يقول في تغريدة له: «المخترع يُعطى مائة ألف، بينما المنشد يعطى خمسة ملايين، من المهبول الذي يريد أن يصبح مخترعا؟!» وأنا أعدل العبارة وأقول على قدر الكرام تأتي المكارم، المهتمون بالشيلات قدروا فنهم فرفعوا سعره، بينما الجامعات والجهات العلمية خفضت سعر فنها (علمها) فانخفض مقداره ومقدار المهتمين به! ولو رجعنا لأضلاع المثلث، سنجد التالي، فلو أن الأخ عضو مجلس الشورى طالب بتحويل مخرجات الجامعات إلى علوم المستقبل، مثل الذكاء الصناعي والبرمجة وأمن الحاسب والروبوتات، لكنّا أيدناه ودعمناه بدل تقليل عدد قبول الجامعات والتحول إلى سباكين ونجارين، ولا يتحجج أحد بأن سباكي الدول المتقدمة ونجاريها هم مواطنوها، لأن أغلب هذه المهن حاليا ستختفي ويحل محلها الروبوتات والذكاء الصناعي، ولذلك بدأت الدول تشجع زيادة الجامعيين في التخصصات الجديدة، ولو أنه طالب الجامعات بأن تستقبل المبتعثين من جامعات عالمية، أو طالب بإنشاء لجنة مركزية أو قسم في الوزارة لتقييم الشهادات لتوظيف الشباب المبتعث، سواء قبلت الجامعات أو لم تقبل، بدلا من الصدمات التي نسمع عنها في الإعلام. أما لو تنافست الجامعات فيما بينها في تخصصات اقتصاد المستقبل، لكنا دعمناها وأيدناها، ولو تبنت اقتصاد المعرفة فعلا وليس قولا وشعارا فقط، لكنا في صفها وبقوة، لكن يبدو من الوضع الحالي أن الوحيد الذي يعتني ويرفع من قيمة فنه وشغفه هو جمهور الشعر الشعبي والشيلات، ويبدو أنهم الوحيدون المخلصون لرسالتهم، وهذا شيء يجب أن يُحترم، سواء كنت مع أو ضد الشيلات، فلِمَ لا تقوم جامعاتنا بتدريس الشيلات أو عمل كراسي لها؟ على الأقل سيجد طلابها دخلا محترما بعد التخرج، وفي الوقت نفسه لن يغضب أي أحد في مجلس الشورى من أن الجامعات تزيد البطالة أو غيره.