تلقت جميع فئات الشعب السعودي المتعلق بقيادته الملهمة، تلقت جميع الأوامر الملكية الكريمة الأخيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله، بكل الترحاب والفرح والسرور، واستبشرت الأمة كلها بمرحلة جديدة ستعيشها المملكة في عهده الميمون تلي مراحل مزهرة أخرى لمن سبقوه من الملوك الصالحين الذين لم يدّخر أحدهم جهدًا في العمل على كل ما فيه نهضة هذه البلاد ونموها وازدهارها ورخاء شعبها وعيشه في أمن وأمان ودعة وسكينة ورغد عيش، فقد أُعيد تشكيل الوزارات والهيئات واللجان العليا في مدة لم تتجاوز أسبوعًا من تأريخ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، وإعادة التشكيل هذه تعتبر سمتها الأبرز ضخ الدماء الجديدة في الوزارات كافة، وتخير الكفاءات والقدرات المتميزة قبل أي اعتبارات أخرى، وهو عين ما تحتاجه المرحلة الحالية التي نواجه فيها عديد التحديات الاقتصادية والسياسية وغيرها. فانخفاض أسعار النفط مسألة اقتصادية فائقة الأهمية تتطلب الكثير من الخطط الإستراتيجية والوعي الاقتصادي - السياسي في آن معًا، وقد كانت المملكة وما تزال وستبقى بإذن الله تعالى صمام الأمان في تقلُّب أسعار النفط العالمية، إذ تملك دون غيرها زمام المبادرة لحفظ التوازن في أسواق النفط كما هو معروف دوليًا. كما أن الوضع السياسي والأمني العام في المنطقة وخصوصًا في الدول المجاورة للمملكة يشي بضرورة التعامل معه بكثير من الحذر واليقظة، ويشمل ذلك كل اتجاهات البوصلة شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وقادة هذه البلاد المسلمة وفي مقدمتهم المليك المفدى لهم باع طويل في التعامل مع كل تلك الأزمات كما تدل عليه شواهد تاريخية كثيرة خلال عشرات السنين التي مضت منذ تأسيس المملكة العربية السعودية حتى الوقت الحاضر. ولعل من أكثر القرارات في إعادة التشكيل التي تمت لفتًا للانتباه دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة كبيرة هي وزارة التعليم. وكما أرى ويرى غيري من رجال التعليم العالي في المملكة وبعد عمل في التعليم الجامعي يصل إلى أربعين عامًا، فإن دمج الوزارتين سيكون له أعظم الأثر في النهوض بمستويات التعليم كافة من الابتدائية إلى الدكتوراه، لأن مسيرة تعليم الأبناء والبنات في كل هذه المراحل ستقوم على سياسة موحدة، وستفضي كل مرحلة إلى المرحلة التي بعدها بناء على أسس راسخة، وبعد أن كان البعض ينحي باللائمة على مخرجات التعليم العام، حين يظهر ضعف خريجي وخريجات الثانوية العامة عند التحاقهم بالجامعات، فإن وزارة واحدة بعد ذلك ستتحمل وزر هذا الضعف وستشعر بالحرج الشديد إن كانت مخرجات أي مرحلة تعليمية مخرجات ضعيفة، لأن كل تلك المراحل اليوم مرة أخرى من الابتدائية إلى الدكتوراه يفضي بعضها إلى بعض، ولو ظهر ضعف ما في أي من تلك المراحل فسيبقى إلى المرحلة الأخيرة، لذا أتمنى أن أرى ويرى غيري من التربويين تقدمًا هائلًا في مستويات التعليم كافة خلال فترة وجيزة، إن كان في العمر بقية. ولعل دمج هاتين الوزارتين الحيويتين يعتبر من أهم القرارات الملكية الموفقة في بداية هذا العهد الزاهر بإذن الله. ذلك على مستوى التشكيلات الوزارية الجديدة، أما على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، فإن من بشائر الخير الكبيرة أمر المليك المفدى بالاستمرار والتوسع في مشروعات الإسكان للمواطنين السعوديين، فهاجس السكن هو الهاجس الأول الذي يشغل بال كل مواطن سعودي خصوصًا بعد الارتفاع الكبير لأسعار وإيجارات المساكن في المدة الأخيرة، وتوفير المسكن الكريم لكل أسرة سعودية بات ضرورة ملحة، ولعل الأوامر الملكية الكريمة الأخيرة كفيلة بحل مشكلة السكن حلًا جذريًا بإذن الله. ولا تنفصل مشكلة السكن عن مشكلة الخدمات المتعلقة به من ماء وكهرباء، وقد أولت القيادة الرشيدة ذلكم اهتمامًا كبيرًا، فأمر قائد هذه البلاد بتخصيص مبلغ ضخم هو عشرون مليار ريال لقطاعي الماء والكهرباء ودعمهما في كل أنحاء المملكة، فهما عصب الحياة العصرية ولابد من توفرهما في كل مدينة وقرية. وما أجمل ما صدر من أوامر تتعلق بالسجناء الذين لا تتجاوز مديونياتهم نصف مليون ريال؛ ليعودوا إلى أهلهم وذويهم وتعم الفرحة ديارهم من جديد. أما التغييرات على مستوى إمارات المناطق فكانت كذلك مدروسة وموفّقة وجزى الله خيرًا كل من تركوها، ووفق تعالى من كلفوا بها، ونحن في منطقة مكة المكرمة نرحب مجددًا بالأمير الشاعر المثقف الكبير صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أميرًا لمنطقة مكة المكرمة ليواصل إنجاز مشروعاته الكبيرة في المنطقة، ونشكر صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز على كل ما بذله من جهود خلال فترة توليه إمارة المنطقة. وبعد، فما أعظمها من قرارات وأصوبها من أوامر ملكية كريمة صاحبتها هدية أبوية لكل موظفي الدولة والطلاب والمتقاعدين هي راتب شهرين، وكما قلت في مقالة سابقة: "سلمان مِنَّا ونحن من سلمان". Moraif@kau.edu.sa