×
محافظة جازان

ألغام الانشقاق في سوريا

صورة الخبر

تقترب معركة تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي من نهايتها مع إحراز القوات العراقية، بدعم من قوات التحالف، انتصارات مهمة في معركة الجانب الأيمن، حيث سيطرت على ما يقارب نصف أحيائه، والاقتراب من مسجد النوري الذي أعلن منه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الخلافة الإسلامية المزعومة في 2014. ساهمت عوامل عدة في إحراز تلك الانتصارات، منها اكتساب القوات العراقية خبرات حروب المدن من معركة الجانب الأيسر، وتدخل القوات الأمريكية، وتطور دورها من مجرد التدريب والدعم اللوجستي إلى الانخراط في العمليات القتالية، وكذلك تغيير تكتيكات المعارك، والاعتماد على استراتيجية الحصار، والعزل، والتطويق، ثم الاقتحام وتفادي ألغام التنظيم والسيارات المفخخة، والتعامل مع القناصة، واستخدام الطائرات المسيرة من دون طيار المزودة بالقنابل كسلاح مضاد في المعركة، وهو السلاح نفسه الذي استخدمه «داعش» في السابق، وأدى إلى وقوع العديد من الخسائر البشرية والعسكرية في صفوف القوات العراقية. لكن رغم الانتصارات العسكرية التي تحققت في الجانب الأيمن، إلا أن التكلفة الإنسانية والبشرية ارتفعت بشكل كبير مع تزايد مأساة المدنيين في المدينة الذين يشكلون الحلقة الرخوة في الحرب الدائرة منذ شهور، وتجسدت تلك المأساة في تزايد أعداد النازحين والفارين من جحيم المعارك بمعدلات كبيرة تجاوزت أعدادهم أكثر من ربع مليون شخص، يعيشون ظروفا إنسانية صعبة في مخيمات الإيواء، من حيث قلة الغذاء والدواء والمياه النظيفة، وعدم قدرة المخيمات التي أقامتها الحكومة العراقية عن استيعاب الأعداد المتزايدة مع اشتداد المعارك في الأحياء المتبقية في المدينة القديمة، حيث هناك أكثر من 750 ألف شخص يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. لكن مأساة المدنيين تجسدت بشكل أكبر في ارتفاع أعداد القتلى منهم، حيث أشارت التقديرات إلى مقتل أكثر من أربعة آلاف مدني منذ بدء المعارك نتيجة لوقوعهم بين شقي رحى مطرقة تنظيم «داعش» الذي يستخدمهم كدروع بشرية في المعارك، وتجميعهم في المباني التي يسيطر عليها، وإطلاق النار على الفارين منهم، وبين سندان القوات العراقية والحليفة المهاجمة، وصعوبة توفير ممرات آمنة لخروجهم من ساحات المعارك. وشكلت حادثة حي الموصل الجديدة التي وقعت في السابع عشر من مارس/آذار الماضي نموذجاً كاشفاً لحجم المأساة العميقة التي يواجهها المدنيون، حيث سقط العديد من القتلى تحت الأنقاض تباينت أعدادهم ما بين المئات، وفقاً لبعض التقارير وشهود العيان، وما بين العشرات، وفقاً للمسؤولين العراقيين، كما تضاربت المسؤولية حول الحادث ما بين تحميل «داعش» مسؤوليته نتيجة لقيامه بحشد هؤلاء المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية، وأن سياراته المفخخة أدت لانفجار المباني، وما بين تحميل قوات التحالف المسؤولية باستهداف تلك المباني بغارات جوية، وفقاً لطلب من القوات العراقية رداً على وجود قناصة على أسطح تلك المباني، ما أدى لانهيارها على السكان، وهو ما دفع الحكومة العراقية ووزارة الدفاع الأمريكية إلى فتح تحقيق حول الحادثة. ويثير تصاعد التكلفة البشرية الباهظة للمعركة تداعيات أمنية تتمثل في جدوى فاعلية التكتيكات الأمنية المستخدمة، ومدى الحرص على حماية المدنيين والحفاظ على حياتهم ومنازلهم، وتداعيات سياسية برزت في تصاعد ردود الفعل الغاضبة لعدد من جانب قطاعات الشعب العراقي طالبت بإرجاء المعارك، كما أنها تؤثر سلبياً في التركيبة السكانية للمدينة. ولذلك، فإن التحدي الأساسي الذي يواجه القوات العراقية وقوات التحالف في معركة الجانب الأيمن هو كيفية تحقيق التوازن بين إحراز نصر سريع وإنهاء المعركة، وفي الوقت نفسه تفادي الخسائر البشرية ومعاناة السكان العالقين الذين يتجاوزون أكثر من 400 ألف شخص، خاصة أن تحرير بقية الأحياء في المدينة القديمة هو الأكثر ضراوة، حيث القتال وسط الشوارع الضيقة، والمباني القديمة، وتمركز عناصر التنظيم وسط المدنيين، التي تحولت إلى ساحة لحرب العصابات، والانتقال من القتال من حي لآخر إلى القتال من شارع لشارع، ومن مبنى لآخر، للقضاء على ما تبقى من عناصر التنظيم الذين يقاربون الألف عنصر يخوضون معركتهم الأخيرة وفقاً لاستراتيجية القتال حتى الموت، في ظل الحصار الشديد عليهم، وصعوبة فرارهم إلى خارج المدينة على عكس معركة الجانب الأيسر، حيث فر معظمهم إلى الأحياء الغربية. ولذلك يعتمد التنظيم بشكل أساسي على وقف تقدم القوات العراقية من خلال زرع الألغام، والسيارات المفخخة، والانتحاريين وإطلاق صواريخ المورتر والطائرات المسيرة لاستهداف القوات العراقية، واستخدام المدنيين كورقة لحشد الدعم السياسي والمعنوي في ظل الهزائم الكبيرة التي تعرض لها، وتراجع إمكاناته العسكرية بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة، ومقتل قادته، ومنهم نائب رئيس التنظيم، وهو ما يؤكد أن معركة الموصل باتت محسومة عسكرياً لمصلحة القوات العراقية، إن آجلاً أو عاجلاً.غير أن نجاح المعركة، وتقليل التداعيات الإنسانية، والخسائر البشرية الباهظة، يتطلب أولاً: تغيير تكتيكات المعركة وقواعد الاشتباك من جانب القوات العراقية وقوات التحالف، وتجنب الطاقة النارية الهائلة في الأماكن والأحياء المزدحمة بالسكان المدنيين، والاعتماد على العمليات النوعية والقوات الخاصة من عناصر مكافحة الإرهاب، وقوات الرد السريع من الشرطة المدربة جيداً على حرب الشوارع، للتعامل مع عناصر التنظيم المختبئة وسط المدنيين، واستدراجهم إلى خارج المباني، مع توفير ممرات آمنة لخروجهم بعيداً عن استهداف عناصر «داعش» لهم، كذلك الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية لاستهداف مواقع وتحصينات وأسلحة التنظيم، لتحقيق دقة التصويب من جانب طائرات التحالف والاعتماد على طائرات الهليكوبتر، وليس الطائرات الحربية الضخمة، في ضرب مواقعهم واستهداف قناصتهم على أسطح المباني، وتحييد السيارات المفخخة والألغام، وثانياً: إعطاء الأولوية لتخفيف معاناة المدنيين، وتوفير المزيد من مخيمات الإيواء واحتياجاتهم الإنسانية، وتوفير ضمانات قانونية لعدم إيذاء بعض النازحين وعدم تعرضهم لعمليات انتقامية تحت مبرر ارتباطهم ب«داعش» ما قد تثير النزعات الطائفية. وثالثاً: الإعداد لمرحلة ما بعد «داعش» وتقرير الوضع السياسي للموصل والمحافظة على التركيبة الديموغرافية للسكان، في إطار تصحيح الخلل في المعادلة السياسية العراقية القائمة على المحاصصة الطائفية، خاصة في ظل تعدد الأطراف المشاركة في المعركة والذين يجمعهم الآن هدف واحد، وهو محاربة «داعش»، لكن عدم حسم الوضع السياسي للمدينة قد ينذر بتفجر التناقضات فيما بينها، خاصة بين الأكراد وقوات الحشد الشعبي، ومحاولة كل فريق فرض الأمر الواقع لما بعد المعركة، كذلك العمل على إعادة النازحين إلى بيوتهم وقراهم وتأمين الأحياء التي تم تحريرها والتي يستهدفها التنظيم بصواريخه، وطائراته المسيرة، والإسراع في عملية إعادة الإعمار بعد حالة الدمار الهائلة التي أصابت المدينة جراء القصف الجوي والسيارات المفخخة للتنظيم، وتدمير الجسور والمؤسسات والمنازل. وبالتالي مع الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات العراقية وقوات التحالف، واقتراب الحسم لمعركة الموصل، يظل المدنيون هم الخاسر الأكبر حتى الآن، وهو ما يتطلب معالجة فورية لتفادي الأخطاء السابقة، وتجنب التداعيات الأمنية والسياسية للتكلفة البشرية الباهظة كشرط أساسي لنجاح المعركة، والقضاء على «داعش» ليس في الموصل فقط، ولكن في كل أنحاء العراق. د. أحمد سيد أحمد خبير العلاقات الدولية في الأهرام