لم تظهر كرة القدم في جوهر قوانينها مقاومة ضد شيء، أكثر ما أظهرته على اللجوء للفيديو لتصحيح ما يبدر عن الحكام، أربعة كانوا أم ستة، من أخطاء تغير مجرى المباريات وتؤثر في النتائج وتصيب فرقا بعينها بظلم كبير. يوم إشتد الجدل وقوي على كرة لم تتخط خط المرمى، واحتسبت هدفا هو ما أعطى التفوق للمنتخب الإنجليزي في مباراة هيتشكوكية أمام ألمانيا، ليفوز الأنجليز بكأس العالم سنة 1966 لأول وآخر مرة في تاريخهم، قال البعض لا بد من الإجتهاد قانونا للحيلولة دون أن تكون أخطاء الحكام جالبة للظلم ومعادية للعدالة، ومنذها والقائمون على شأن القانون التحكيمي (البورد) يعددون من المحاولات. ويوم إستعان ماردونا أسطورة الكرة الأرجنتينية، بيد الشيطان ليسجل هدفا في مرمى الأنجليز خلال نهائيات كأس العالم التي توج الطانغو بطلا لها سنة 1986 بالمكسيك، من دون أن تضبطه في حالة تلبس عين الحكم التونسي، قوي النقاش واشتد حول الآليات التي يمكنها مساعدة الحكام على التقليل من هامش الخطأ. ويوم قادتنا الثورة التكنولوجية في الإتصال والمعلومات إلى إختراعات غيرت وجه العالم، طالب الكثيرون بإدخال هذه التكنولوجيا في مجال كرة القدم، لوقف ما كانت أندية ومنتخبات تتكبده جراء أخطاء مكلفة إما بعدم إحتساب أهداف مسجلة من وضعيات قانونية لا لبس فيها، وإما بعدم إحتساب ضربات جزاء لا غبار عليها أو إشهار قرار بتسللات لا وجود لها، وأذكر أنه بداخل الفيفا كانت هناك مقاومة كبيرة لشرعنة التكنولوجيا بهدف مساعدة الحكام، وكان المناصرون لإبقاء كرة القدم على طبيعتها يتعللون بأن أخطاء الحكام هي جزء من الفعل الإنساني لا تختلف عن أخطاء اللاعبين والمدربين، والحقيقة أن هناك فارقا كبيرا بين خطأ تكتيكي يستوجب عقابا تقنيا وبين خطأ قانوني يكون السكوت عنه أشبه بالفعل الشيطاني. والحقيقة أن التكنولوجيا التي طورت وسائل الإتصال هي ما فرض سقوط جيوب المقاومة، ما دام أن لا شيء يضر إذا ما كان تدخل التكنولوجيا سيرفع ظلما ويحقق عدالة، وقد كانت البداية أولا باللجوء لتقنية الفيديو لمعاقبة كل فعل مشين لم يره حكم المباراة، ثم كانت ثانيا بتمكين الحكام من وسائل إتصال تسمح لهم بمخاطبة بعضهم البعض لصنع القرار الجماعي بشأن حالة من الحالات، وكانت ثالثا بإحداث تقنية الكشف عن الكرات التي تعبر خط المرمى ولا ترى من الحكم المساعد بالعين المجردة أو ما أصطلح عليه بعين الصقر، إلا أن ما سيمثل إنقلابا نوعيا في تحكيم المباريات هو الإجتهادات التي تقوم بها بعض الإتحادات والجامعات للتشجيع على اللجوء للفيديو للحسم في الظواهر المثيرة للجدل، وقد سجلت التجربة الأولى والمثيرة حقا، باسم الجامعة الفرنسية لكرة القدم وهمت المباراة الودية التي جمعت المنتخب الفرنسي بنظيره الإسباني بملعب دو فرانس يوم الثلاثاء الماضي. ومن حسن الطالع أن المباراة كانت غنية بالحالات التي إستوجبت إستعمال الفيديو، فغير بعيد من ملعب دو فرانس كانت تقف حافلة مجهزة بأحدث وسائل التكنولوجيا وتواجد بداخلها أربعة من كبار مهندسي الإتصال، ومن هؤلاء صدرت إشارة لحكم الوسط الألماني زفايير، بإلغاء هدف للفرنسي أنطوان كريزمان أحتسب أولا تم رفض بعد ذلك لوجود حالة تسلل ميليمترية لم يتمكن الحكم المساعد من ضبطها، ثم أعقب ذلك رفض لهدف وقعه دولوفو للمنتخب الإسباني بإشارة من الحكم المساعد قبل أن يتدخل حكم الفيديو فيقر مشروعية الهدف لوجود المهاجم الإسباني في وضعية قانونية. ربما كانت المحصلة ثقيلة ومؤلمة على المنتخب الفرنسي لأنه تضرر من رفض هدف لمهاجمه كريزمان وباحتساب هدف إسباني ألغي أول الأمر، إلا أنه مع التأمل العميق لما ترتب عن الإستعمال الأول من نوعه للفيديو، سيتوصل الكل إلى أن في الأمر إسترجاعا لعدالة كانت مفقودة. بقي الآن أن نعرف كيف ستقيم التجربة؟ وهل سيكون الكل مقتنعا بجدواها لتحسين صورة كرة القدم؟ وإن شرعها الإتحاد الدولي لكرة القدم، كم يلزم من الوقت لتصبح كرة القدم في كل بقاع العالم قادرة على أن تجلب لكل ملاعبها عين الفيديو أو عين العدل؟ *نقلاً عن المنتخب المغربية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.