في جدة «العطسة» أصبحت مرعبة، لابد أن تحبس أنفاسك داخل المصعد، السعال مزعج ويثير الشكوك، وأي علامات للأنفلونزا تقود إلى التفكير بفايروس «كورونا». سيدات يمارسن الرياضة مرتديات «كمامات»، أمهات يتابعن التلفاز عن كثب منتظرات خبر تعليق الدراسة، وغيرهن منعن أطفالهن من الذهاب إلى المدرسة حتى تتضح الصورة. «الكمامات» تتصدر المشهد، الصيدلي يبلغ العميل بأن لا يسأل عن معقمات أو «كمامات» فقد نفدت. موجة الغبار التي حلت على المدينة الأسبوع الماضي أكملت «الناقص» فمن تأزم صدره بسبب الحساسية أصبح مصدراً للشك، حتى عامل القهوة في مكتبي يُصر على أن أستعمل الأكواب الورقية وقاية من المرض. اتصلت بطبيب أطفالي، في محاولة لتطمين نفسي من مصدر موثوق، فرد متسائلاً:» هل ستتصرفين كما يتصرف الكثيرون بجنون؟ فلن تتخيلي عدد الاتصالات التي أتلقاها، وذعر الناس من زيارة المستشفى بأطفالهم، مطالبين بزيارتي في منزلي». قلت له:» بالتأكيد لن أفعل، لكني قلقة «. عاد ليؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات الوقاية العادية مع الحفاظ على النظافة العامة واتباع الإرشادات. يصلك على هاتفك فجأة إصابة أربع حالات جديدة، وطبيب يحذر جيرانه وأصدقاءه من وجود حالات عدة في المستشفى الكائن في حيهم، وآخر تجبره أمانة المهنة على البوح بالحقيقة عن ما تخفيه وزارة الصحة. موظف في إحدى شركات التأمين يؤكد رصد 10 حالات جديدة في مستشفى خاص. وتسمع عن غرف عزل للمرضى في أحد المستشفيات الحكومية، وأنباء عن تحويل حالات لمرضى مصابين بـ «كورونا» إلى مستشفى حكومي آخر وهو ما يعني»خروج الوضع عن السيطرة»! حالة من «فوضى المعلومات»، فتطبيقات التواصل الاجتماعي على أجهزة الهواتف الذكية لا تتوقف عن نقل الأخبار، و»الواتس آب» تحديداً متألق و»عامل عمايله» في نقل الأخبار الموثقة وغير الموثقة. والكثيرون يعيدون إرسال كل ما يصلهم من معلومات، لكن هل يتوقف الشخص للحظة ويسأل نفسه ماذا سأستفيد؟ وبماذا سأفيد؟ هل أفرق بين الإصابات الحقيقية، والاشتباه فيها؟ هل المعلومات التي أرسلها مؤكدة؟ تقرأ في الصحف المحلية «وفقاً لمصادر مطلعة»، أعداداً جديدة عن الإصابات بـ «كورونا»، وأحد المستشفيات الحكومية تزايدت فيه الحالات على 30 بين الممارسين الصحيين منهم أربعة في العناية المركزة، وتحذيرات من الاقتراب من المستشفيات، و10 مدارس حكومية وأهلية تم إغلاقها، وأطباء يطالبون بإعلان حالة الطوارئ، واشتباه في وفاة طالب بـ» كورونا»، ثم تقرأ نفياً لبعض هذه المعلومات على لسان مسؤولين. وعندما تجمع الأرقام التي ترصدها الصحف وتقارنها بالأرقام المعلنة من «الصحة» تصاب بالحيرة. وزارة الصحة تقول إن مصدر « كورونا « ما زال مجهولاً، وإن ارتفاع الحالات جاء نتيجة الفحص والمتابعة. وتؤكد أن الأرقام مطمئنة ولم تصل إلى وباء، وأنه من عام 2012 حتى 15 نيسان (أبريل) 2014 تم تسجيل 194 حالة توفي منها 69. وفي صفحة خاصة بـ»فايروس كورونا الجديد» على موقعها تجد أنها اتخذت الإجراءات العلمية وفقاً للأعراف الطبية فور تلقي بلاغ الحالة الأولى من مستشفى الملك عبدالعزيز، ووضعت أسئلة شائعة، ومعلومات، وتوجيهات، وتتواصل من خلال حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضاً من خلال الرقم المجاني مع المواطنين لتوعيتهم وطمأنتهم. فـ«الصحة» ترى أنها تتعامل مع المشكلة بشفافية واحترافية، وتتفق معها منظمة الصحة العالمية، بحسب صحيفة مكة14نيسان(أبريل) 2014، في أن عدد الحالات في السعودية يعتبر في حدود المعدلات الطبيعية عالمياً ولا يشكل وباء. ما مدى صحة هذه الأخبار؟ ومن نصدق؟هل يمكن أن تكون كل هذه الأخبار والمعلومات مجرد «إشاعات»؟ ولماذا هذه الحال من «فوضى المعلومات»؟ هل سببها الانفتاح التكنولوجي وسهولة توافر المعلومة؟ أم لأن المواطن لا يثق في المعلومات التي تعلنها الوزارة؟ البعض يرى أن «الصحة» بعيدة عن الشفافية، ويتهمونها بالتعتيم والتخبط، لكن وسط حالة الرعب والخوف من «كورونا»، هل تستطيع وزارة الصحة أن تسيطر على الوضع وتبني علاقة ثقة حقيقة بينها وبين المواطن من خلال هذه الأزمة ؟! الحياة