أجمعت شعوب العالم على أن الثالوث الخطير الذي كان ومازال يتربص بمستقبل البشرية هو الفقر والمرض والجهل، حتى إن الأسطورة الأغريقية صورت هذا الثالوث في حكاية (صندوق باندورا) كحزمة من الشرور خرجت من الصندوق وانتشرت في العالم. ولكن يبدو أن ثالوث الشر الخطير الذي يتربص بمستقبل الأمة كما يراه أحد المسؤولين الحكوميين ليس ماسبق بل أمر مختلف تماماً فهو (اليهود والنصارى والمشركون).. وبما أننا نستطيع تعيين وتحديد اليهود والنصارى لنحذر شرورهم ونناصبهم العداء، فإن المسؤول لم يحدد من هم (المشركون) في تصريحه؟ وبالتالي قد يندرج تحت بندهم جميع السبع مليارات الذين يسكنون كوكبنا الأزرق الجميل، وسنظل في حالة توجس وتصعيد تعبوي متصل مع العالم، ونشطر العالم حولنا إلى دار حرب ودار سلم، ونستمر في توريط المسلمين بهذا الخطاب الذي يحجبهم عن عمار الكون ويبقيهم في حالة عسكرة عبثية ليس لها نهاية، تفني مقدراتهم وتستنزف مجهوداتهم. التصريح السابق هو أحد التخريجات المتطرفة لعقيدة الولاء والبراء والتي كانت هي المنطلق الشرعي للكثير من العنف الديني المسلح الذي نراه حولنا في مواضع الفتن والحروب. وهو أيضا الوعي الذي يرفض أن يقر بأن العرب والمسلمين يعيشون حالة تخلف حضاري شاملة، وأن أمم الأرض قد سبقتهم بأجيال وقرون، ونحن مازالت تستغرقنا حالة الفرز لمكونات الثالوث الخطير. مازلنا نلوح برايات العداء والحروب من فوق مقاعدنا المتحركة بينما نكابد كساحنا الحضاري مازالت تستغرقنا فهرسة العالم لفسطاطي الشر والخير بينما الدوائر الدولية تصنفنا في خرائطها بدولة نفطية مابرحت تعاني من تعثرات تنموية. وكان ممكن أن يمر تصريح المسؤول أعلاه دون أن يلفت الانتباه، لولا أنه كان ضمن مناسبة عامة. ولربما وفي مثل هذه المناسبات وتحت الأضواء يصبح البعض مأخوذا بالجو والمحيط الذي يطوقه فيخرج على لسانة بعض الكليشيهات المخبأة في اللاوعي.. (كاد المريب أن يقول خذوني). هذا الخطاب الاستئصالي مازال يهيمن على علاقتنا مع الآخر، بصورة تبعث الإحباط، لاسيما مع ترسخه لفترة طويلة بوقاً سواء في (المنابر الدينية أو المناهج المدرسية أو الخطاب الإعلامي الرسمي) نصنف علاقتنا مع المختلف به ومن خلاله، حتى تحول إلى كليشة نوظفها بل ونستنجد بها في حضورنا الرسمي. هل نحتاج إلى أجيال لننعتق من خرائط دار السلم ودار الحرب؟، ونعيد تأسيس علاقتنا مع العالم على أرضية المصالح المتبادلة والتنافس الحضاري والقدرة على تقديم منجازات حضارية ملموسة وفاعلة للمسيرة البشرية؟ أو على الأقل تطبيق جميع الأهداف التي يسعى إليها مركزالحوار الحضاري الذي يخصنا والذي تأسس كأرضية (لكلمة سواء) بيننا وبين الثالوث الخطير، أرضية قائمة على التعايش والتسامح، ليس للحذر منه والتجييش ضده، كما جاء في تصريح المسؤول. إن كانت القرارات الحكومية الأخيرة التي استهدفت ضبط تغلغل التيارات المتطرفة في المجتمع لم تحدث فرقاً في بعض المسؤولين، عندها سنعرف بأن الرحلة طويلة، وعنصرية الإقصاء متجذرة في خطابنا الفكري ومتواشجة مع خطابنا الثقافي. في النهاية حتى لايبدو المشهد معتماً، نعود إلى اسطورة باندورا، التي تذكر الميثولجيا الأغريقية بأنه بعد أن فرت شرور العالم أو الثالوث الخطير (الفقر الجهل المرض) من صندوق باندورا.. لم يبق في الصندوق سوى الأمل.. وهو الضوء الوحيد الذي لن يخذل البشرية في مسيرتها الحالكة.