لله في كل مخلوقاته حكمة تعود لمصلحة الكون بصفة عامة، والآية الكريمة تقول «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة» ( سورة هود – الآية 118 ) ليس بعسير على الخالق سبحانه، الذي بيده الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، أن يخلق الإنسانية من أمة واحدة تسود بوجودها الكون كله متشابهة بالالوان والأشكال والأصول، وتملك أحاسيس ومشاعر وأفكارا إنسانية واحدة.. وأن تكون لها لغة واحدة تتفاهم فيها بعضها مع بعض. وبشكل الحياة هذا الذي تسير به على نمط واحد لا يتغير، ستفقد بطبيعة الحال وجود حافز الإبداع والاجتهاد والتنافس، على عكس فيما لو كانت خلقت الخليقة من أمم مختلفة، كما هي الحال عليه في الحياة البشرية الإنسانية الحالية، وقد أعطى الله سبحانه وتعالى إلى كل أمة صفات تميزها عن الأمم الأخرى، وقد أعطاها كذلك فسحة في العقل تختار ما يتلاءم وبيئتها من أخلاق وعادات ومفاهيم وقيم وإبداعات. قد يكون للبيئة وللأجواء المناخية المتاحة والمحيط الحياتي باع يفرض طابعا معينا لكل أمة تشتهر فيه بين غيرها من الأمم. فالأجواء والطقس والمناخ البارد تفرز نوعا من الهمم والأفكار تقود ذويها إلى التفكير بطريقة مغايرة عن الأمم الأخرى، التي تعيش في الأجواء الحارة الجافة وفي الأراضي القاحلة التي تفرض على سكانها حياة الخمول والرتابة وقلة الحركة، وبسبب هذا التباين واختلاف الأجواء والمناخات، أبدعت شعوب الدول التي تعيش في الأجواء الباردة في اختراعاتها التي عمدت إلى تصديرها إلى من حولها من الأمم الأخرى التي تلقفتها بسرعة، وذلك لحاجتها إليها (مكيف الهواء – A/C ) على سبيل المثال، الذي لا تحتاجه شعوب الدول ذات المناخ البارد المعتدل، ولهذا فإن إنتاج الإنسان الحضاري البديع يبرز بوضوح حكمة وقدرة القادر، فلو سادت الكون أمة واحدة ومناخ واحد وإمكانات عقلية واحدة، لانتفت دوافع الإبداع وانعدمت قوة وجود التفكير الإنساني الخلاق الذي يقود إلى هذه الاختراعات التي نراها في يومنا هذا والتي أدت إلى تطوير الإنسان والكون والحياة البشرية بما أفرزته من إبداعات وصناعات إنسانية عملت على رقي حياة الإنسان أينما كان بفضل التعاون الإنساني بين الأمم المختلفة. فلو أن الله سبحانه وتعالى خلق البشرية من أمة واحدة لما وجدنا هذا الإبداع الإنساني، ولوجدنا الحياة عبارة عن كتلة واحدة تسير ببطء على رتيبة واحدة، رتيبة كئيبة لا طعم لها، كما قال الشاعر: «ألم تر أن وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب» .. لذا ففي الحركة بركة.محمد سالم البلهان** سفير سابق