×
محافظة المنطقة الشرقية

"دوري المدارس": استئناف تصفيات الدور التمهيدي بعد استراحة مؤازرة الأخضر

صورة الخبر

نداء تونس يحتاج إلى أن يستعيد هويته كحزب ليبرالي يمثل امتدادا لهوية الدولة الوطنية في أبعادها الاجتماعية، وهي المنطقة التي يتناقض فيها مع حركة النهضة.العرب مختار الدبابي [نُشر في 2017/03/29، العدد: 10586، ص(9)] جاءت تصريحات الوافد الجديد لحزب نداء تونس برهان بسيس في برنامج تلفزيوني موحية بأن الحزب الذي يقود الحكومة التونسية يفكر في فك تحالفه مع النهضة أشهرا قبل الانتخابات المحلية، وهذا أمر متوقع إذ لا يعقل أن يستمر التحالف قائما إلى لحظة الانتخابات. برهان بسيس المثير للجدل، والذي كلف بإدارة الشؤون السياسية في الحزب الحاكم منذ أيام قليلة، حمل أفكارا في مستوى انتظارات جمهور نداء تونس، وخاصة ما تعلق بإدارة حوار داخلي واسع وتقديم نقد ذاتي، في اعتراف ذكي بأن القيادة الحالية كان لها دور في حالة التفتت والانشقاقات التي شهدها الحزب منذ انتخابات 2014. ومن الواضح أن محور النقد الذاتي سيكون الاعتراف بأن الحزب أخطأ حين راهن على تحالف حكومي مع النهضة ما قاد إلى انشقاقات واسعة صلبه، وهي انشقاقات مبررة ومشروعة لأن الشعبية التي قادت نداء تونس إلى الحصول على الأغلبية في البرلمان تأتت من كون الحزب تأسس وخاض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تحت عنوان “مناهضة حركة النهضة” كمشروع مجتمعي، وليس فقط كحزب سياسي منافس. ومن المفارقات أن التحالف تحول في بعض الحالات إلى تماه كامل مثلما جرى في أحداث الجم (من محافظة المهدية الساحلية)، حيث أصدرت التنسيقية المحلية لنداء تونس بيانا تدعم فيه احتجاجات قادتها مجموعات مرتبطة بالسلفية وحركة النهضة لإغلاق فضاء قانوني لبيع الخمر. وأعتقد أن التلويح بالنقد الذاتي هذه المرة لن يكون تكتيكا لاستعادة الغاضبين من الحزب وإعادة استقطاب الأنصار الذين توزعت ولاءاتهم بين الشقوق والفروع الجديدة قبل انتخابات يعتبر الفوز فيها أمرا مصيريا، وأن الأمر هذه المرة سيكون مراجعة جدية للعلاقة مع النهضة لاعتبارات عديدة. ومن هذه الاعتبارات أن الحزب يحتاج إلى أن يستعيد هويته كحزب ليبرالي يمثل امتدادا لهوية الدولة الوطنية في أبعادها الاجتماعية على وجه الخصوص. وهي المنطقة التي يتناقض فيها الحزب جذريا مع حركة النهضة بانتظار أن تتضح خلفية “اجتهاداتها” الأخيرة التي تميل فيها إلى التماهي مع القوانين الدولية، وليس باعتماد على الشريعة الإسلامية في ما يخص اتفاقية سيداو، ومسألة المثلية، وكذلك إجازة استهلاك القنب الهندي. العلاقة الحالية بين نداء تونس والنهضة غير متكافئة، ففيما يعيش الحزب حالة من التراجع ويحصر جهده في تمكين مقربين منه أو من قياداته من مواقع متقدمة في الدولة، تستثمر النهضة تلك العلاقة للتمدد داخل الفئات التي تصفها في العادة بالمعادية، وخاصة الكادر الذي يتولى إدارة الوزارات والمؤسسات الكبرى في البلاد. وتحاول الحركة أن تبدو في مظهر المتعفف عن طلب الحقائب الوزارية والوظائف الأولى في المؤسسات لفائدة قيادييها، لكن ذلك جزء من خطة أهم تتيح لها إذابة الجليد مع القيادات الإدارية التي يعود لها الدور الأكبر في إفشال حكومتي الترويكا (2012 – 2013). ويعترف مقربون من النداء بأن النهضة استفادت من شراكتها مع النداء في الحكومة بشكل أكبر مما غنم النداء، فقد وفر لها هذا التحالف الفرصة للانفتاح على الإعلاميين والمثقفين المناوئين، ونخبة الرياضيين، فضلا عن تحولها إلى محج للطبقة السياسية خاصة من الباحثين عن مواقع داخل الدولة. إن الاستمرار في هذا التحالف سيقود نداء تونس إلى المزيد من التفتت، فضلا عن أنه يعطي الفرصة للأحزاب التي تشكلت في معظمها من المنشقين عن النداء لتقفز إلى الواجهة مثل حركة مشروع تونس لمحسن مرزوق، ولجبهة الإنقاذ التي ينتظر أن يتم الإعلان عنها خلال أيام قليلة وتجمع مرزوق ومنشقين آخرين عن النداء، فضلا عن أحزاب الاشتراكي اليساري والاتحاد الوطني الحر. وهذا الصعود المضاد سيقود إلى خسارة مضاعفة للنداء الذي سيجد جمهوره الانتخابي نفسه مشتتا في التصويت للشقوق ما يعطي الفرصة لحركة النهضة كي تتبوأ المرتبة الأولى برغم حرصها على ألا تكون في الواجهة ضمن إستراتيجية التمكين خطوة خطوة، وتجنب الصدام مع قوى محلية وداعميها الخارجيين مجددا. وقررت النهضة التي فشلت في الحكم وأقرت بأنها غير قادرة على إدارة اللعبة في ظل قوة “الدولة العميقة” منذ 2014 الابتعاد عن السلطة والعودة إلى العمل الخفي الذي لا يضعها في المواجهة ويحقق لها مهمة “التمكين” البطيء. وسيعطي هذا التفتت الفرصة لأحزاب على يسار النهضة لتقفز إلى مراتب متقدمة مثلما حصل في انتخابات 2011، ونقصد هنا الأحزاب المتفرعة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حراك تونس الإرادة الذي يقوده الرئيس السابق المنصف المرزوقي، والتيار الديمقراطي لمحمد عبو)، وهي الأحزاب التي تستثمر في احتجاجات الجنوب لتقوية رصيدها الانتخابي في ظل انكماش النهضة وانكفاء النداء على مشاكله الداخلية. وأعتقد أن قائمة الأربعين الذين التحقوا بالنداء مؤخرا، وبينهم برهان بسيس، سيعملون على دفع حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لنداء تونس والرجل الأول بالحزب، إلى مغادرة دائرة التردد وحسم أمر التحالف مع النهضة والبحث عن أرضية جديدة لتحالفاته قد يكون من بينها إغراء المنشقين للعودة إلى الحزب الأم، وخاصة مجموعة “الهيئة التسييرية”، التي يترأسها رضا بلحاج، أحد مهندسي نجاحات النداء. فهل يقدر بسيس والوجوه الجديدة في النداء أن يخرجوا الحزب من دائرة الارتهان لتحالف هش وظرفي إلى تحالف استراتيجي، أم أن التزامات القيادة الحالية تجاه حركة النهضة وداعميها الإقليميين قد تعطل ولو إلى حين هذا التوجه؟ لكن تبقى الكلمة الأخيرة في هندسة تحالفات الحزب لمؤسسه، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي يتعامل مع شراكة النهضة والنداء في الحكومة في سياق مقاربة استقرار تونس. الباجي قائد السبسي سبق أن أكد أن التحالف مع النهضة مرتبط بنتائج الانتخابات وليست له أبعاد أخرى، بالقول “الشعب وجه لنا رسالة، فقد اختار نداء تونس في المرة الأولى دون أن يمنحه الأغلبية المطلقة”. كاتب وإعلامي تونسي مختار الدبابي