×
محافظة المنطقة الشرقية

اتفاقيات بين السعودية والأردن بـ 3.5 مليار دولار - خارجيات

صورة الخبر

مصطفى يسري عبدالغنى، والكتاب عبارة رصد للظواهر السلبية القائمة على الاستغلال، مع طرح بعض الحلول لعلاج الظاهرة انطلاقًا من مبادئ علم الاجتماع. ويرجع الفضل للعلماء العرب في تأسيس هذا العلم، على يد العالم الراحل ابن خلدون حيث يعد كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر" من أكبر مساهمات ابن خلدون في علم الاجتماع، وعلم العمران. وإذا كان ابن خلدون قد ولد في مدينة تونس عام 732 هـ في أسرة متواضعة، إلا إنه توفي بالقاهرة في شهر رمضان المبارك عام 808 هـ، ودفن بها، وهذا يؤكد أن مصر كانت على مر التاريخ مقصدًا للعلماء، ومستقرًا لهم. ويعد علم الاجتماع من العلوم وثيقة الصلة بكافة أنواع العلوم، وخاصة السياسية، والاقتصادية، والنفسية، والثقافية، وغيرها إذ يفسر علم الاجتماع أثر كل ما سبق على المجتمعات، ولذا لا بد للباحث في هذا المجال أن يكون على دراية تامة بالعلوم المختلفة، وبما يخدم مجال بحثه. وتأتي أهمية البحث الجديد من خلال الحشد لرفض فكرة العمل القسري، بغية التصدي لكافة أشكال الاستغلال، ولتحقيق فكرة العدالة في الأجر، نظرًا لأن العمل أهم نشاط بشري على وجه الأرض، ويمثل مصدرًا للثروة بكافة أشكالها، كما أن التوازن الاقتصادي داخل المجتمعات يحدث عندما يقترب الاقتصاد من حالات التشغيل الكامل، ومن الناحية السياسية فإن نجاح الحكومات يقاس بقدرتها على خفض معدلات البطالة، علاوة الأهمية الاجتماعية المتمثلة في الاستقرار. بيد أن المشكلة الأزلية أن فكرة العدالة في الأجر تنتهك بسبب العمل القسري، ومازال العالم يعاني منذ فجر التاريخ، وحتى الآن من وطأة هذه المشكلة، وخطورة هذه القضية أنها تهدد مستقبل الشرائح المستضعفة، وتعد انتهاكًا صارخا لحقوق الإنسان. • نشأة العمل القسري: وفي هذا الصدد قبل الولوج في الكتاب يجدر القول بأن ظاهرة الرق، والتجارة بالبشر تاريخ إجرامي طويل، فبداية هذه المشكلة مرتبطة بتاريخ استغلال الإنسان لأخيه الإنسان, وأن جميع الأمم السابقة قد عرفت هذه الظاهرة, وأن الفراعنة، والفرس، والرومان، واليهود، والهنود القدماء، والإغريق واليونان وغيرهم كانوا يمارسون استعباد الإنسان بأبشع الصور. ولم يختلف الحال عند عرب في الجاهلية قبل الإسلام, فقد كان مألوفا أن تتخذ القبائل المنتصرة من أطفال ونساء القبائل المهزومة عبيدا وجواري, كما كان بعض مشاهير مكة كـ "عبدالله بن جدعان" من تجار الرقيق. وحاليًا تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن هناك نحو مليوني إنسان يتم الاتجار بهم سنويا؛ أغلبهم من النساء، والأطفال، بينما تقدر منظمة العمل الدولية وجود ما لا يقل عن 3.12 مليون إنسان يعيشون تحت شكل من أشكال العبودية. وأكدت دراسة قامت بها «جمعية حقوق الطفل» التابعة للأمم المتحدة بيع نحو 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الأخيرة حتي 2015. • أركان العمل القسري: وفي ثنايا الكتاب قد صنف الباحث العمل القسري على أنه ثالث أخطر نشاط غير مشروع بعد تهريب السلاح وتجارة المخدرات، وحسب تقسيم المؤلف؛ يتطلب العمل القسري وجود سلعة وهي البشر، وهذا يمثل جانب العرض، عن طريق سمسار يقدم المقهورين إلى سوق العمل مقابل عمولة، وبالتالي يتم سد الطلب على العمل القسري من خلال توفير كمًا بشريًا من المسحوقين. يتنوع عمل السمسار حسب نوع النشاط؛ حيث يقوم القواد بتقديم النساء للعمل في الدعارة والبغاء، والمخدماتي يمد الأسر بالعاملات في المنازل، أما مقاول الأفراد في القرى والكفور والنجوع أو في المدن فيقدم العمال لأرباب العمل، أما زواج القاصرات الفقيرات من الأثرياء العرب فهو أقذر هذه الأنشطة، وقد أشار الباحث إلي أن نحو 80% من ضحايا الاتجار بالشر من النساء، ونصف هذا العدد من الأطفال، وأن حوالي 800 ألف امرأة يتعرضن للاستغلال الجنسي سنويا حول العالم. • نطاق العمل القسري: وقد حدد الباحث في عرضه للقضية أن الطبقات التي يمكن أن تقع تحت طائلة العمل القسري في مصر هي الفئات التي التالية: • المتسربين من الدراسة: وذلك بسبب تدني وانحدار النظام التعليمي، وجرّاء عدم القدرة علي الاستيعاب الكامل للأطفال في سن الإلزام؛ حيث يتسرب نحو 25 % من التعليم ليصبحوا عرضة للعمالة القسرية فيما بعد. • الأمية بجميع أنواعها: الأمية في مجال القراءة والكتابة بمصر كارثة كبري، حيث تبلغ نسبتها 40%، وبما يوازي أكثر من 17 مليون نسمة حسب أحصائيات عام 2010، كما أن الهيئة القومية لمحو الأمية أخفقت في أداء دورها، أضف إلى ذلك الأمية بمعناها الواسع كالأمية التكنولوجية، والقانونية، والثقافية، والدينية، والاجتماعية، والسياسية. • الفقر وتدني الأوضاع المعيشية: حيث ينتمي أغلب ضحايا العمل القسري من النساء والأطفال والشباب إلى مجتمعات فقيرة ومهمشة. • المشكلة السكانية والعشوائيات: هناك اتجاه يقول: إن الزيادة السكانية نقمة لأنها تؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية في المجتمع المصري، حيث إن هذه الزيادة ترتفع بمعدل 3 % سنويًا، ويرى آخرون أن المشكلة تكمن في الخلل بإدارة الكوادر البشرية، لأن المخزون البشري يتيح لمتخذ القرار الاستفادة من تنوع الخبرات البشرية. • الظروف الأسرية: يؤدي التفكك الأسري بجميع أنواعه، إلى ضياع الأطفال وتعرضهم للعمل القسري جراء فقدان العائل. فحالات الطلاق بمصر تحدث بمعدل حالة كل 4 دقائق، فيما وصلت حالات "الخلع" عبر المحاكم أو الطلاق خلال عام 2015 إلى أكثر من ربع مليون حالة انفصال. • الهجرة من الريف إلى المدينة: وهذه الظاهرة الخطيرة عنصر مهم في المساهمة في نمو الظاهرة، لأن المهاجر يقبل العمل بأي أجر حتى يعيش. • البطالة والخصخصة: المشكلة أن أعلى نسبة بطالة بمصر في الفئة العمرية من 18 ـ 29 سنة، ويشكل الحاصلون على مؤهل جامعي فأعلى من الذكور أعلى نسبة، يليهم حملة المؤهلات المتوسطة، وبالتالي يتم التشغيل بعضهم بأجور بخسة. • التعصب ضد المرأة: ينظر البعض إلى الفتيات على أنهن عبء اقتصادي، ونفقات تعليمهن غير ضرورية، وتعاني الكثير من الأسر صعوبةً في تدبير نفقات زواج بناتهن، ولعل ذلك من أهم أسباب زواج القاصرات من بعض الأثرياء العرب. • الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا: أصبح العمل القسري كأحد أنواع الاتجار بالبشر أسهل، وأكثر كفاءة بعد ظهور الإنترنت، والهواتف النقالة حيث استغل تجار البشر تلك التكنولوجيا في القيام بأعمالهم غير المشروعة. • غياب القانون وهيبة الدولة: يمثل غياب القانون، وتصدع هيبة الدولة، والفساد إلي تفاقم الظاهرة. • أهم أشكال العمل القصري: عادة ما تتم ممارسة العمل القسري، في نطاق الأنشطة التجارية، والزراعية، والإنتاجية، والخدمية، ومن أسوأ أنواع العمل القسري ما يلي: 1- تجارة الأعضاء البشرية: ويتفق مضمون الكتاب مع ما نشر مؤخرًا عن مافيا تجارة الأعضاء البشرية، فقد تم ضبط تشكيل عصابي بمصر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2016؛ يقوم بالإتجار في الأعضاء البشرية، وضمت القائمة نحو 28 متهما منهم: أساتذة جامعات، وأطباء وأعضاء هيئة تمريض، وأصحاب مراكز طبية، ووسطاء وسماسرة مصريين، وعرب يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض المواطنين المصريين لشراء أعضائهم البشرية. ومن المؤسف أن مصر تتصدر المرتبة الثالثة عالميا في هذا النشاط غير الإنساني. 2- ممارسة البغاء: وأيضًا يقودنا مضمون الكتاب إلى التوافق مع السرد التاريخي لاستغلال النساء في مصر، حيث يؤكد بعض الباحثين أن البغاء كان موجودا في عهد الفراعنة، وأن هناك غرفًا اكتشفت في هرم سقارة عرفت باسم "غرف الإله بس" وكانت مخصصة لممارسة البغاء فيما سميت العاهرات بـ "بغايا المعبد". وقد شهد أول القرن السابع الميلادي تسجيلا للبغايا، وفي عهد العثمانيين الأتراك سميت بيوت الدعارة "كرخانات"، وهى كلمة تركية مكونة من مقطعين "كرى" وتعنى نوم و"خانة" وتعنى نزل أو محل. وبعد تنصيب محمد على باشا واليا على مصر ازدهرت الدعارة مع توافد الأجانب إلى مصر حيث أبقى على ضريبة البغاء بعض الوقت حتى تم الغاؤها عام 1837، ثم بدأ البغاء في الخضوع للتسجيل والتنظيم لاحقًا، حتى ألغيت بيوت الدعارة علي يد البرلماني المصريين "سيد جلال" نائب دائرة باب الشعرية عام 1949. وحسب الدكتور عبدالوهاب بكر، في كتابه "مجتمع القاهرة السري" الصادر عن دار العربي للنشر والتوزيع عام 2001: "إن البناء الاجتماعي لمجتمع الدعارة بمدينة القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين كان يتألف من سلم هرمي يستقر في قاعه (المومسات) اللاتي يكون القاعدة الأساسية لنظام النشاط، ويأتي فوقهن مجموعة (البدرونات)، وهن مديرات (بيوت الدعارة المُرخصة)، ثم (السحابات أو السحابين)، الذين يزودون البيت بـ المومسات الجدد، ثم (القواد) الذي يُدير النشاط كله من خلال جلب الزبائن، وتشغيل العنصر البشري الذي يقوم عليه النشاط، وفي النهاية يأتي (البرمي) الذي يقوم بدور عشيق المومس مقابل حمايتها". بيد أن الدعارة عادت لتمارس على نطاق سري، أو بطرق ملتوية في بعض حالات الزوج العرفي، وزواج القاصرات، واستغلال الخادمات. وعلى المستوي العالمي: في عام 2016 كمثال؛ تعرض حوالى 58 ألف من اللاجئين فى اليونان لعصابات مافيا يونانية وألبانية تخترق مخيماتهم وتستقطب النساء والأطفال، بالإضافة إلى تعرض الأطفال منهم إلى الاستغلال الجنسى من قبل بعض المواطنين. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن ما بين 200 ألف إلى 500 ألف امرأة وفتاة يعملن في سوق الدعارة بأوروبا، وإذا عدنا للدراسة حسب ما ذكر الكاتب نجد أن بعض الفحوصات التي أجريت على البنات النيجيريات اللواتي تم ترحيلهن من إيطاليا سنة 2001 إلى أن أكثر من 50 % منهن مصابات بمرض "الإيدز" كذلك تشير تقارير إحدى المنظمات الكمبودية غير الحكومية إلى أن أكثر من 70 % من البنات اللواتي تم إنقاذهن من بيوت البغاء كن مصابات بهذا الفيروس. 3- التسول بأنواعه: تعد ظاهرة التسول من الآفات الاجتماعية في مجتمعتنا، كما أنها أكبر صورة تعبر عن العمل القسري، سواء كان المتسول يعمل لحساب غيره قهرًا، أو لحسابه الخاص. كذلك إجبار بعض المتبرعين علي الدفع حياءً. 4- خدم المنازل: من أشكال العمل القسري الذين يجبرون على الخدمة في المنازل من النساء والأطفال. 5- العاملات اللائي يعملن قسرًا: وذلك عندما تجبر بعض النساء على العمل في الفترة ما بين الساعة الثامنة مساءً والسابعة صباحًا بما لا يتفق مع الحفاظ على كرامتهن وأخلاقهن. 6ـ الأمهات المعيلات: رغم أن القانون يؤكد على رعاية الأم العاملة في الدولة والقطاع الخاص، إلا أن معظم القطاع الخاص لا يعطي المرأة العاملة حقوقها كاملة، ولا يخفض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل اعتبارًا من الشهر السادس من الحمل. 7ـ الذين يجبرون على العمل: أن معظم الذين يعملون في تصنيف وفرز القمامة يكونون من النساء والأطفال، وغيرها من أعمال تفتقر إلى وسائل الحماية الصحة والمهنية كالعماملين في الصناعات الكيماوية. • خطورة العمل القصري علي الفرد والمجتمع: يؤدي العمل القسري من الناحية الاقتصادية إلى حرمان الشعوب الفقيرة من العائد العادل لعنصر العمل، ونسف فكرة العدالة الاجتماعية، علاوة على الخلل الاقتصادي في ميزان المدفوعات لضعف عائد عنصر العمل بالخارج. أما الآثار النفسية: فهي خطيرة؛ لأن الأشخاص الذين تتم المتاجرة بهم، ويجبرون على أعمال قسرية، يتحولون إلى كارهين للمجتمع، ومن السهل توظيفهم ضد مصالح الأمة. وتتمثل الآثار الجسدية والصحية: في تأخر النمو لدى الأطفال، علاوة على الإرهاق، جرّاء التعرض للضرب، والتعذيب، وكل ذلك يؤثر على الضحايا جسمانيًا. علاج الظاهرة: وحسب المؤلف من الناحية الاجتماعية هذا يتطلب تطوير المهارات المهنية، والسلوكيات للمنظم الاجتماعي، حتى يتمكن من استخدام المعرفة بفاعلية في علاج الظاهرة. إضافةً إلى تطبيق القانون بحسم. وبالتوازي مع طرحه الكتاب من حلول سوف نجد أن القوانين الحديثة، ومواثيق حقوق الإنسان غير كافية للردع، لأن الكثير من البشر تحت تأثير الجشع، يضربون بالقوانين عرض الحائط لتحقق الكاسب المادية، وهذا يتطلب من الناحية العملية إلى تطوير برامج التنمية الاقتصادية لتشمل كافة المجالات. ومن التجارب الإنسانية الرائدة على الصعيد الدولي ما تقوم به "هولندا" من تطبيقات صارمة تصب في هذا الاتجاه، حيث تمنع استغلال الخادمات بالسفارات الموجودة على أراضيها وتقوم بالتفتيش الدوري عليهن، على الرغم من أن مباني تلك السفارات تتمتع بالحماية الدبلوماسية. • الإسلام والظاهرة: المعالجة الإسلامية لهذه الظاهرة كانت معالجة متأنية، ومتدرجة, فقد بدأ الإسلام من الناحية الفكرية بتغيير النظرة الاستعلائية بين الإنسان وأخيه الإنسان, لأن العقيدة الإسلامية تعتبر الناس جميعا سواسية, كلهم لآدم وآدم من تراب. وسبب التدرج للقضاء على هذه الظاهرة بالماضي كان مراعاة للحالة الاجتماعية التي كانت سائدة قبل الإسلام, فقد كان ثلاثة أرباع العالم من العبيد والربع فقط من السادة . وضع الإسلام الضوابط التي تكفل للمملوك حياة كريمة ريثما يصل إلى حريته الكاملة, من خلال القواعد التي تبين كيفية معاملة العبد، والجارية معاملة جيدة, وعدم تحميله عملا فوق طاقته, وإطعامه، والإحسان إليه. تجفيف منابع الرق: والسنة النبوية المطهرة كانت تسير في هذا الاتجاه، وفي الحديث القدسي الصحيح: قال الله تعالى: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حُرَّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره", ومن ثم يجب تحصين المجتمع بصحيح الدين ليكون هناك رادع ديني من الداخل، وقانوني من الخارج ضد جريمة العمل القسري بمصر والدول العربية.