تكلم الشيخ عبدالله بن منيع في أخبار منشورة مؤخرا عن مقترح قدمه لهيئة كبار العلماء السعودية، وقال إنه نصح فيه بزيادة أعداد الأعضاء في الهيئة، وأن لا تكون محصورة بالمتخصصين في العلوم الشرعية، وقد رأى في تقييد العلم على الجوانب الشرعية اجتزاء لا ينسجم وتعريف العلم في معناه العام، رغم اعترافه بأفضلية العلم الشرعي، والأنسب، من وجهة نظره، أن تضم الهيئة علماء في الهندسة والطب والفلك والاقتصاد والعمارة والعلوم المختلفة، وبما يخدم قضايا الإسلام والمسلمين، ويساعد في الخروج بأحكام تأخذ بمقتضيات التخصص وتلتزم بالمعايير الشرعية المعتبرة في ما يعرض على الهيئة من قضايا، وبطريقة اللجان المهتمة ببحث موضوعات معينة، وألمح إلى أن نظام الهيئة ليس نهائيا ولا زال قيد الدراسة والتطوير. والشيخ ابن منيع شخصية دينية معروفة باعتدالها وشعبيتها الواسعة في أوساط السعوديين على اختلاف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية، وهو عضـو نشط في هيئة كبار العلماء، وصاحب حضور مشرف في المناسبات الدينية والوطنية. أتصور أن اقتراح الشيخ ابن منيع يتكامل وأمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، والذي نص على قصر الفتوى على هيئة كبار العلماء، ويعطيها مرجعية شبه كاملة في كل ما يهم السعوديين والسعوديات، فالمباركة الدينية تعتبر شرطاً أساسياً يطلبه الشخص العادي في تعاملاته اليومية، والقضية تلقائية ولا تفرضها شروط حكومية، ولهذا نجد اللجان الشرعية في البنوك وغيرها، وربما ساعدت في وقف الملاسنات والحروب الكلامية المتكررة بين الفلكيين والشرعيين كل سنة، وذلك في مسألتي رؤية هلال رمضان وهلال ذي الحجة، مع أن تقويم أم القرى يعتمد الحساب الفلكي وهذه مفارقة تستحق التأمل، وفي الطب هناك أمور خلافية تخص التبرع بالأعضاء وحمل الأنابيب وتجميد الحيوانات المنوية والبويضات والأرحام المستأجرة، وفي العمارة تضمنت دراسة علمية قبل فترة ملاحظات معمارية في المسجد النبوي، وأدخلتها في دائرة البدع والمحدثات، والدراسة قوبلت برود أفعال سلبية في مجملها، وبالتالي فإن انضمام علماء سعوديين كبار في الأبواب المذكورة، سيغير في صورة الهيئة وسيطور في وظائفها المتعارف عليها، وقد يجعلها أقرب إلى المؤسسات البحثية الضخمة صاحبة السمعة والصيت والانتشار الواسع، ويمكن اعتبار مبـادرة الشيخ ابن منيع، في حال اعتمادها، بمثابة قفزة نوعية في عمل الهيئة، بجانب أنها خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح. كما تحتاج الهيئة، إضافة لما سبق، إلى علماء في فلسفة الأديان، وهؤلاء يستطيعون مخاطبة المختلفين في الدين بأساليب مقنعة يفهمونها ويحترمونها، أو تماما مثلما حدث مع الرئيس أوباما بعد حضوره لاجتماع المائدة المستديرة مع الجالية الأمريكية المسلمة، وهو الأول منذ تنصيبه رئيساً لأمريكا، فقد خرج في اليوم التالي أو تحديداً في يوم الخميس 5 فبراير 2015 بكلام من النوع التاريخي، وقال في صلاة الإفطار السنوية إن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ارتكبت فيها أفعال بشعة باسم المسيح، وأنه تم تبرير العبودية وقوانين جيم كرو العنصرية في أمريكا نفسها باسم المسيح، ويجوز أن أوباما لم يقصدها ولكنها تشير في ما تشير إلى رفض التضييق على المسلمين في الولايات المتحدة وفي غيرها، وأن تاريخ المسيحية ليس نظيفا بما يكفي لاتهام الآخرين في أديانهم، ولا بد من تطوير رسالة هيئة كبار العلماء، لأنها تمثل أقدس مكانين بالنسبة للمسلمين حول العالم، وينقص الهيئة علماء في الترجمة والإعلام ينقلون تصريحاتها باحترافية وبدون إضافات أو تحويرات تقلب المعنى وتربك الكلمات، خصوصا أن بعض المأزومين والمتربصين في أمريكا ومجموعة من الدول الأوروبية، يحاولون المقاربة بين المملكة وجماعة داعش في تنفيذ أحكام شرعية معينة، وبدون النظر إلى سياقها ومساراتها وأسلوب بناء الحكم الشرعي فيها، وأنها لا تخضع للاجتهادات الشخصية والقرارات الارتجالية المستعجلة، ولا تنفذ أحكامها إلا بعد استفادة المتهم من الاستئناف وإعادة النظر في الدعوى وكل الفرص المتاحة أمامه، والمفروض أن توكل مهمة توضيح الأمور السابقة لهيئة كبار العلماء، وعن طريق علماء متخصصين ومفرغين، وبحيث يقومون بمراجعة ما تتناوله الصحافة الدولية من أمور شرعية تخص المملكة، ويتولون الرد عليها أولاً بأول.. تأخرت هيئة كبار العلماء في السنوات الماضية عن مباشرة أمور تدخل في اختصاصها، وتركت المجال مفتوحا لدخول أسماء متشددة على الخط، وكان أن استغلتها الصحافة الغربية في الإساءة إلى المملكة، بعد أن استخدمت تصريحاتها المتطرفة واعتبرتها معبرة عن الرأي الرسمي، وتناوبت في الرد عليها أكثر من وزارة وبعبارات موجزة لا تحقق الغرض، وأعتقد أن مقترح الشيخ ابن منيع سيمكن الهيئة الموقرة من ممارسة أدوارها بصورة كاملة..