عندما دخل الجيش الامريكي العراق ، وضرب كرامة بلاد الرافدين في حذاء الاحتلال وعملائه ، قال أكثر المحللين تشاؤماً : إن العراق يحتاج الى عشرة أعوام حتى يبني مؤسساته ويرسي دعائم المجتمع الديمقراطي ، ومرت العشر سنوات دون أن يشهد العراق ومؤسساته تقدما يذكر ، بل زاد دمارا واحتراقا وكرها .. و قال الغرب عن العراق المحتل : إن هذا البلد سوف يصبح واحة للديمقراطية خلال عامين ، الأمر الذي سوف يزعج جيرانه .. وصدق الغرب بالنتيجة وكذب في السبب ، فقد اصبح العراق مصدرا مزعجا لجيرانه العرب بسبب طائفيته وانقسامه السياسي وولائه الفارسي ، وليس بسبب آدمية العمل السياسي وعدالة المعطى الاجتماعي الجديد .. نتذكر العراق ونحن نشاهد احتراق ديمقراطية الربيع العربي في مصر ، فاسترجاع احتلال بغداد لقراءة ازمة القاهرة يعطينا أداة فاحصة تفرز الاعتبارات الخارجية للأزمة عن الاعتبارات الداخلية . فالبعد الخارجي في الأزمتين يبرز فيه التحالف الامريكي الاخواني ، ففي العراق كان التحالف امرا لاحقا للاحتلال - عكس القاهرة الذي سبق كرسي الرئاسة – فكلنا يذكر تحالف قبائل الصحوة مع حكومة المالكي وجيش الاحتلال ، فقد كان عراب هذا التحالف الاخوان المسلمون للقضاء على جيوب المقاومة العراقية تحت ذريعة محاربة تنظيم القاعدة ، وبسبب الجهود التي بذلتها جماعة الاخوان العراقية في نجاح هذا التحالف كافأ المالكي وقوة الاحتلال الدكتور طارق الهاشمي بتعيينه نائبا لرئيس الوزراء تقديرا لجهوده في بناء التحالف ضد المقاومة ، وبعد ما غادر الجيش الامريكي العراق انتفت الحاجة للاخوان وانتهى معها الحاجة للهاشمي وتم اتهامه ومحاكمته غيابيا وهرب الى اسطنبول . في القاهرة التحالف الامريكي الاخواني لا يحتاج لكثير من العناء لاثباته ، وليس من الحكمة نفيه ، كما انه ليس من الحكمة كد العقل في اثباته ، ما يعني في امر التحالف هذا هو الفاتورة التي سوف تدفعها القوة الوطنية المصرية التي تريد أن تؤسس للعمل السياسي قاعدة شعبية بعيدة عن تأثير التجاذبات الخارجية والاديولوجية ، وهذا ما فعله بالضبط الجيش المصري ، تجرأ على دفع الفاتورة ، صحيح أن سلوك الجيش كان فيه شيء من الخشونة المؤذية لتيار الأخوان ، إلا إنه رسم خطا وطنيا سوف تسير عليه القوة السياسية في مصر في المرحلة القادمة بما فيها جماعة الإخوان . من الخطأ في هذه المرحلة الصعبة الحديث عن أخطاء الإخوان ، لأن الحديث عن أخطائهم السياسية سيجعلهم ضحايا ممارسة سياسة خاطئة لا تنتهي في زمن طلبها بل تبقى لموعد دورة انتخابية جديدة ،وسوف يكون طلب تغييرها خروجا على شرعية منتخبة ، بينما الأمر ليس كذلك فمصر تقف اليوم بوجه مخطط كبير حذر منه اللواء الذي انتهت حياته بطريقة محيرة عمر سليمان عندما وصف الآلية التي يتحرك بها شارع الاحتجاج العربي مدخلات شعبية مخرجات اخوانية غربية، فتحالف الاخوان مع القوى الخارجية لن يقف على حدود مصر فالأمر به من الفضح والشق الشيء الكبير ، فقد رضيت الاخوان على نفسها ان تكون سمسارا لهذا التغيير ، فرفض شرعية الاخوان هو رفض لشرعية الانقسام والضياع التي دخلت جماعة الاخوان مع ابوابه بحسابات خاطئة ولكنها مغرية لدرجة الجنون . ما حدث في رابعة العدوية من تدخل الجيش في انهاء الاعتصام هو تدخل لضرب سياج تحالف يريد أن يزرع ميدان رابعة في كل عاصمة عربية ، فإن خاننا الاستنتاج لم يكذبنا الواقع فقد مرت على العراق عشر سنوات وهو في حالة ضياع دائم ، فلم يصدق الاحتلال في وعده وخسر اخوان العراق تحالفاتهم ومبادئهم .