لا تسير الحرب على الإرهاب خارج الولايات المتحدة على ما يرام فما إن تقضي واشنطن على إحدى مجموعات تنظيم القاعدة حتى يعيد التنظيم إنتاج نفسه في مكان آخر.العرب سلام السعدي [نُشر في 2017/03/25، العدد: 10582، ص(8)] يعيد الهجوم الإرهابي الأخير الذي وقع في العاصمة البريطانية، لندن، التذكير بأن الحرب على الإرهاب قد أصبحت بلا نهاية، بلا عدو، وبلا أفق. انطلقت تلك الحرب رسميا في العام 2001، واتخذت حينها شكلاً وحيداً هو الشكل العسكري. عمل الرئيس باراك أوباما بعد أن تسلم السلطة في العام 2008 على إسقاط مصطلح “الحرب على الإرهاب”، وتوسيع استراتيجية مكافحة الإرهاب لتشمل الانخراط السياسي الإيجابي في المنطقة التي “تولد” الإرهاب كما كان سائداً، أي الشرق الأوسط، باعتباره العنصر المفقود والذي بإمكانه حل لغز الإرهاب. ولكن، بعد سنوات قليلة، بدا الرئيس الأميركي محبطاً. ففي خطاب ألقاه في العام 2013، أبدى أوباما تخوفه من أن تنخرط بلاده في حرب بلا نهاية يتخللها استخدام متزايد للقوات الأميركية والأسلحة الحديثة مثل الطائرات من دون طيار وهو ما اعتبره بمثابة “هزيمة ذاتية” تغير وجه أميركا بصورة تثير القلق. لا تسير الحرب على الإرهاب خارج الولايات المتحدة على ما يرام. فما إن تقضي واشنطن على إحدى مجموعات تنظيم القاعدة حتى يعيد التنظيم إنتاج نفسه في مكان آخر وتحت قيادة جديدة. لم تحقق هذه الحرب إنجازاً واحداً. على العكس تماماً، ساهمت، وخصوصاً مغامرتي العراق وأفغانستان، في خلق أفضل بيئة لعمل التنظيمات الإرهابية على مر العصور في كل من سوريا والعراق. لكن المشكلة لا تكمن في فشل الحرب على الإرهاب في الخارج. ذلك أن منفذ هجوم لندن وقبله من قام بكل الهجمات السابقة في أوروبا وأميركا هم مواطنون غربيون ذوو خلفية مسلمة. ليسوا مهاجرين دخلاء، وهو ما يفقد النزعة الانعزالية التي يحملها ترامب شرائح واسعة من البريطانيين الذين صوتوا لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي أي معنىً. ما هو الحل إذن؟ في صفوف اليمين المتطرف، سوف نجد من يقدم حلاً من قبيل حملة قمع شاملة وحصار للمسلمين باعتبارهم مصدر الخطر. العقاب الجماعي هو سياسة النظم الدكتاتورية على مر التاريخ. ورغم أنه لا يبدو حلاً متاحاً في الديمقراطيات الغربية في الوقت الحالي، فقد اتبعت إدارة جورج بوش بعد أحداث سبتمبر 2001 ما يقاربه عندما شرعت في استخدام التعذيب والاحتجاز السري والمراقبة والتنصت على الهواتف، الاعتقال من دون أمر محكمة، وأيضا الترحيل. في الحرب العالمية الأولى والثانية، قامت الدول المتحاربة الغربية أيضاً بفرض قيود على المواطنين المنحدرين من جنسيات أو أديان تعتبر معادية. فالمواطنون المنحدرون من ألمانيا كانوا موضع مراقبة شديدة واستهداف في بريطانيا وفرنسا وأميركا. اليابانيون أيضا تعرضوا للاستهداف والطرد في أميركا وكندا. كان الولاء الوطني لتلك الجماعات موضع تشكيك إذ اعتبرت نقطة ضعف يجب تلافيها عن طريق التخلص منها. تتعالى أصوات اليمين اليوم لانتهاج سياسة مشابهة مع المسلمين في الدول الغربية. معسكر دونالد ترامب تحديداً يبدو متحمساً لنشر دوريات شرطة في الأحياء التي يقطنها مسلمون. لكن المعاينة الواقعية غير المهووسة بالخطر وبالتحشيد الإعلامي لا بد أن تلاحظ أن المسلمين في الغرب هم شريحة واسعة جداً ومندمجة إلى حد كبير. يتطلب تحقيق تقدم في هذا الملف دراسة ظاهرة الإرهاب الفردي بشكل أكثر دقة. ولا أقصد هنا العودة للمظالم التاريخية وتأثير الفترة الاستعمارية على الشرق الأوسط كما هو دارج. إذ أن المسألة تتعلق بظاهرة داخلية تتطور وتتكشف حلقاتها داخل أوروبا. المطلوب هو دراسة سلوك الأفراد الذين يتحولون إلى راديكاليين. حتى اليوم لا توجد دراسات تهتم بعملية إنتاج الجهاديين في أوروبا انطلاقاً من دراسة الحالات الفردية لهؤلاء. من ضمن الملايين من المسلمين المتواجدين في أوروبا، ما الذي يدفع عددا قليلا جداً منهم إلى اتخاذ هذا الطريق. هنالك ضرورة متزايدة للتوصل إلى فهم أكبر لشريحة صغيرة جداً من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا. الحقيقة أن القول إنها شريحة ربما يضخم من حجمها. ذلك أن المطلوب ليست دراسة الأفراد الذين يتعرضون للتطرف الديني بصورة عامة وعدد هؤلاء ليس بالقليل. هنالك من ضمن هؤلاء من يقررون تحويل تطرفهم الديني إلى فعل سياسي. ثم هنالك شريحة أصغر تقرر تحويل الفعل السياسي إلى فعل عنيف بدلاً من عمل دعوي على سبيل المثال. المطلوب دراسة الأفراد الذين يمرون بسلم التطرف المذكور ويقررون بالنهاية أن يختاروا شكلا محددا من العنف السياسي الراديكالي وهو الإرهاب، أي مهاجمة المدنيين بصورة عامة وقتل أكبر عدد ممكن. وهؤلاء، إذا ما قورنوا بالجالية المسلمة في أوروبا التي يقدر عددها بأكثر من أربعين مليونا، هم عبارة عن أفراد محدودين. بهذا المعنى، هنالك ضرورة لتطوير اتجاه جمع البيانات حول هؤلاء الأفراد وسلوكهم وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، والمسارات التي سلكوها وصولا إلى تنفيذ العمل الإرهابي. هل يمرون جميعاً في سلم تطرف معين؟ وما هي التباينات في هذا السياق ووفقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والتاريخ والأيديولوجيا؟ هنالك أسئلة كثيرة تمكن الإجابة عنها ببيانات عيانية تجري لاحقاً مقاطعتها وتحليلها والخروج ببعض الإجابات التي لن تكون حاسمة بأي حال، ولكنها قد تشكل خطوة إلى الأمام.كاتب فلسطيني سوريسلام السعدي