نحو المئتين والخمسين عملاً أدبياً منشوراً هي حصيلة ربع قرن من الكتابة، شكلت علاقة طبيب أمراض الدم والكاتب د.أحمد خالد توفيق مع جمهوره العربي، وقد نجحت أعماله بسمتها المميز والموضوعات والأسلوب الذي تطرقه في تشكيل قاعدة شبابية وقرائية واسعة له، وأطلقت عليه الفعاليات الثقافية اسم «العرّاب»، وحازت روايته «مثل إيكاروس» جائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة للكتاب في دورته الأخيرة، إلا أن هذه الشعبية لم تنقذه من النقد الذي وجّه إليه، وكانت تهمته الأولى هي أنه أفسد ذوق الكاتب العربي الشاب وجعله يتجه لكتابة أدب الرعب في مجتمعات لديها ما يكفي منه. «الإمارات اليوم» التقته على هامش مهرجان طيران الإمارات للآداب في حوار لا تنقصه الصراحة. مكونات واحدة.. وكعكات مختلفة يوتوبيا كشف أحمد خالد أنه قد أوقف كتابة النص الذي أعلن عنه مسبقاً، وحمل اسم «أيام الشهاب الأولى»، لأنه قرأ «أنشودة الطفل» لساراماغو، التي تدور حول الفكرة نفسها، لذا فقد ألغى الفكرة لأنه «إذا حلف للقارئ ألف يمين فلن يصدق أحد أنه توارد أفكار». ونفى الكاتب أن تكون رواية «مثل ايكاروس» قد تعرضت لمقص الرقيب، فالقصص المبتورة في داخلها مقصودة لإعطاء إضاءات ناقصة على ما رآه البطل الذي عرف كل شيء، وأراد معرفة المزيد فاحترق بالمعرفة مثل إيكاروس في التراث الإغريقي. لا ينكر د.أحمد أنه كان ملهماً للكثير من الكتاب الذين ساروا في طريق الكتابة في اتجاه أدب الرعب، لكنه يؤكد أنه ليس ذنبه أنه كان ناجحاً، «ومن الطبيعي أن يبدأ كل رسام كاريكاتير في مصر بتقليد (مصطفى حسين) وكل شاعر بتقليد (نزار قباني).. وبالمثل فكل من كان يريد أن يكتب في مجال أدب الرعب كان يقلدني، ولا يمكن للكاتب أن يقف ويصرخ: لا أريد تلاميذ.. ولا أريد من يقلدني!»، وبالمقابل يرى بأن تقليد كاتب ما وإن كان إلى حد التطابق لا يكفي للنجاح، فأسلوب الكاتب هو انعكاس للحياة التي خبرها.. قراءاته.. جو الأصدقاء الذي يعيش فيه.. ذكرياته الأسرية.. عقده الشخصية.. كلها تمتزج لتعطي للكاتب أسلوبه.. فالمكونات الواحدة لا تعطي بالضرورة كعكاً متشابهاً، وإنما هناك ألف طريقة وطريقة لإعدادها. وينفي الكاتب قطعياً أن يكون قد أصيب بعقدة «آرثر كونان دويل» حين قتل بطل رواياته «شرلوك هولمز» حين أصبح أشهر منه، مؤكداً أن إيقاف أو إنهاء سلسلة ما وراء الطبيعة وبطلها «رفعت إسماعيل» يعود إلى أنه استهلك أفكاره معه، وأن عبارة «المبدع ينبوع لا يجف» غير صحيحة، فالأفكار تشح وتجف، والقارئ يصبح أكثر عدوانية، وكل ما في الأمر أن «رفعت إسماعيل» كان هدفاً للتصويب على الجدار، فأخذ الهدف و«طبقه» ووضعه في الدُرج كي يموت كريماً ومحبوباً كما عاش. وفي الحديث عن الأسلوب لدى الكاتب يذكر أحمد خالد أنه قرأ لتشيخوف حينما كان في التاسعة من عمره، ومن هنا تأثر بالأسلوب الساخر في فترة مبكرة جداً.. كما قرأ ثلاثية نجيب محفوظ وهو في الحادية عشرة، وقرأ مدام بوفاري والكثير من أمهات الروايات وهو في بداية المرحلة الإعداداية.. ويذكر أن ظاهرة ما يمكن أن تسمى بأدب الرعب موجودة فعلاً ويلاحظها زملاؤه الأجانب الذين يزورون المكتبات المصرية، فيرون أن نسبة الكتب الأكثر مبيعاً في أغلبها عبارة عن روايات مخيفة في السنوات الأخيرة، ويستغربون لهذا ويسألون: أليس لديكم غير الرعب لتكتبوا فيه؟ لكنه يستدرك بالإشارة إلى أن أغلبها محاولات فاشلة.. وبينها توجد محاولات جميلة وجادة استطاعت أن تشق لنفسها أسلوباً مختلفاً ومتميزاً مثل مؤلفات «سالي عادل» و«تامر إبراهيم» وغيرهما، ويرى الدكتور أحمد أن النقص الحقيقي في المكتبة العربية والذي يجب على الكتاب الشباب أن يخوضوا غماره ويهتموا به هو أدب الخيال العلمي. الشطرنج حرام إن كنت خاسراً عن الاتهامات السياسية التي جاءت متوازية مع الاتهامات الأدبية له بانتماءاته وآرائه التي تخالف الاتجاه العام، يؤكد أنه لا يماري في أن جذوره ناصرية وتكوينه ناصري، ولكنه استاء من تصريحات لمنتسبي التيار بعد خسارة انتخابات معينة، ويقول طالما أن الأطراف توافق على لعبة بقواعد معينة فعلينا احترام من يكسب، أما أن تلعب الشطرنج لساعات طوال وحين تشعر بأنك اقتربت من الخسارة تقلب الطاولة وتتذكر فجأة بأن الشطرنج حرام، فهذا هو التصرف غير الناضج.. وعن سبب عدم خوضه في الروايات المسلسلة التي كتبها في السياسة أو الدين أو غيرها، قال إن الأدب الذي يقدمه في الروايات المسلسلة الصادرة عن المؤسسة العربية الحديثة هو «أدب معقم» لا يرى الوالدان أو أي جهة أخرى حرجاً في أن يقرأه الجميع.. وحين يرون أبناءهم يقرأونها يطمئنون إلى أنهم برفقة «عمو أحمد خالد».. بينما حين يحب أن يتجول في الدين والسياسة فإنه ينشر روايات مع أطراف ثالثة. ويقر الدكتور أحمد بأن ما يكتبه متناثر هنا وهناك لكثرة مقالاته، وأنها معرضة لأن تصبح «سريعة التبخر»، لكنه يحرص بين فترة وأخرى على جمعها في كتب، وهو ما كان يرفضه مسبقاً قبل نصيحة من الناقد طارق الشناوي، وأكد أن العديد من الكتاب المصريين مثل بلال فضل وأسامة غريب وغيرهما اتبعوا سياسة تجميع المقالات في كتب بعد نشرها، وأنها لو كانت جيدة فسيجد القارئ متعة مرة أخرى وهو يقرؤها مجمعة حتى وإن كان قد سبق له قراءتها. ساق البامبو عن الضجة التي أثيرت حول تصريح «الحتة الوسطانية» ليوسف زيدان، أو الحديث عن وجود ترفع لدى البعض وتمييز للأدب في الأقطار العربية المختلفة، أكد أحمد خالد أنه لم يسمع التصريح فعلياً، ولكنه يقول للأدباء والكتاب والقائمين على الأنشطة الثقافية في الخليج إنهم يسيرون في الطريق الصحيح، ولا داعي للخجل من التصريح بأن الثروة تدعم الثقافة، فهي ليست نقيصة وإنما تسخير صحيح للثروة، وقد كانت الفترة الذهبية في إيطاليا هي فترة وجود الثروة، والتي أُنفقت بشكل كبير على ليوناردو دافنشي وباتشيللو وغيرهما من فناني عصر النهضة ومثقفيه. ويقر خالد بوجود نسبة من الانغلاق لدى القارئ المصري، لكنه يؤكد أنه انفتح على الكاتب السوري والفلسطيني منذ فترة، وأخيراً بدأ يستكشف الكاتب الخليجي، وفي الخيال العلمي على سبيل المثال هناك شعبية كبيرة لكتاب خليجيين، ويؤكد أن الكاتب الخليجي لا ينقصه شيء حتى في جيل الشباب منهم، وقد كانت «ساق البامبو» للكويتي سعود السنعوسي إحدى أفضل الروايات العربية التي كتبت خلال الأعوام العشرة الأخيرة، بينما نجحت روايته الثانية «فئران أمي حصة» في إدخالي كقارئ مصري إلى الجو الخليجي الذي قد لا أعرف عنه الكثير، وأكد أن غازي القصيبي، رحمه الله، إحدى القامات التي قرأ لها بحب، وأنه كقارئ يأخذ الأجمل لدى كل كاتب دون النظر لأي أمور أخرى.