لم يعلم الشاب السوري مهند -الحاصل على شهادة الاقتصاد من جامعة الفرات في سوريا- أنه سيأتي عليه الوقت الذي يقف فيه على آلة تعليب المنتجات الغذائية بأحد المعامل التركية، بدلاً من أن يكون جالساً داخل مكتب مكيف في شركة تجارية بوطنه سوريا، يصمم جداوله الحسابية، ويطبق ما تعلمه في سنوات دراسته، التي يقول إنه بذل فيها جهداً كبيراً حتى نال شهادة الاقتصاد. مهند فاروق الحاضر، جامعي من بين آلاف الجامعيين السوريين الذين شردَّتْهم الحرب داخل البلاد وخارجها، وأبعدتهم عن وطنهم ومستقبلهم الذي ظلوا يحلمون به على مدار سنوات دراستهم في الجامعات والمعاهد والمدارس. يشبِّه مهند وهو يقف أمام آلة التعليب، سَير العلب أمامه بأيام عمره التي تمضي دون أي بارقة أمل من شأنها أن تحسن من ظروفه، وتحقق له بعضاً مما كان يحلم به، ويقول لشبكة "" للتعليم: "حالي كحال آلاف السوريين الجامعيين الذين أثّرت عليهم الأزمة في سوريا وأجبرتهم على المغادرة، تاركين وراءهم مشاريعهم التي كانوا يخططون لتنفيذها بعد حصولهم على شهاداتهم الجامعية". أوضح الشاب السوري أنه فَوْر دخوله تركيا عام 2014 حاول مراراً التكيف مع الصدمة التي ألمت به، خاصةً أنه كان قد تخرج قبل عدة أشهر فقط، وأنه لولا ملاحقة جهاز مخابرات النظام السوري له لما غادر بلاده. إذ قال في حديثه لشبكة "": "تخرجت بدرجة جيد جدّاً وذهبت لأقدم على وظيفة في إحدى الشركات بالعاصمة دمشق، لكني فوجئت لاحقاً بأنني مطلوب للنظام كآلاف؛ بل الملايين ممن طالبوا بالحرية في هذا البلد". وبعد فراره من سوريا ووصوله لتركيا، تقدّم إلى عدة جامعات؛ لعله يحظى بفرصة نيل درجة الماجستير التي كان يتطلع إلى نيلها سابقاً في بلده، إلا أن شروط الدراسة كانت صعبة ومعقدة؛ بسبب اللغة التي تمثل عائقاً أمام كثير من الطلاب مثل مهند. ومع عدم قدرته على إكمال دراسته، والصعوبات التي تمنع توظيف شاب بشهادة سورية في مؤسسة تركية، قرر الشاب العشريني البحث عن فرصة عمل يكسب منها لقمة عيشه.مخاوف الشباب من الاعتقال أصبحت مسألة متابعة الدراسة الجامعية في سوريا مشكلة كبيرة جدّاً تواجه الشباب السوري؛ بسبب تردي الوضع الأمني في البلاد؛ إذ إنهم معرَّضون للاعتقال في المناطق التي تخضع لنظام الأسد، جراء الإجراءات التعسفية التي يتبعها عناصر النظام، ما يجعل الشباب متردداً في الذهاب لجامعته، حسبما قال ناصر العبدالله، الذي يدرُس في السنة الرابعة بكلية طب الأسنان في جامعة دمشق. فيما قدَّر ناصر أعداد الشباب الجامعيين الذين تعثرت دراستهم وهربوا من سوريا إلى دول الجوار بقرابة 150 ألفاً، بحسب ما نقلته شبكة ""، وأضاف أن آلاف الطلاب تم فصلهم من الجامعات بشكل نهائي؛ بسبب نشاطهم الثوري ضد النظام. كذلك، كان رأي الطالب أحمد فياض، الذي قارب على التخرج في جامعة حلب، ولكنه اضطر إلى التخفي؛ خوفاً من الاعتقال؛ بسبب مشاركته في الثورة وتصويره المظاهرات، ويأمل أن يستطيع إكمال دراسته والحصول على الشهادة في أي دولة.الوثائق الرسمية تعيق الشباب عن استكمال تعليمهم وفي هذا الإطار، تبين أرقام اتحاد الطلاب السوريين الأحرار، أن آلاف الطلاب الجامعيين قُتلوا خلال الثورة، وبعضهم قضى تحت التعذيب في الفروع الأمنية، فيما هرب كثير من الطلاب خارج سوريا دون أن يحصلوا على أية وثائق تثبت أنهم طلبة جامعيون، ما يعني أنهم خسروا تماماً سنوات دراستهم السابقة وعليهم البدء من الصفر، بينما لا يملك آخرون أوراقاً رسمية كاملة تستوفي متطلبات الجامعات في الدول الأخرى. ويوضح الاتحاد أنه يعمل على التسجيل المشروط في الجامعات، حيث يخضع الطالب لامتحان معلومات ليستطيع التسجيل فيها، مع شرط عدم تسليمه شهادة التخرج لحين استكمال الأوراق. وأضاف أن هناك جامعات تغاضت عن موضوع الوثائق بعد فحوص سبر معلومات عامة وتخصصية، وأن تركيا هي الدولة الوحيدة التي وافقت على اعتماد الأوراق والشهادات التي يصدرها الائتلاف الوطني السوري المعارض.التسجيل في برامج التعليم الأجنبية وعن خطر توقف العملية التعليمية في المدارس والجامعات بسوريا، يقول الأستاذ في كلية الأدب العربي بجامعة حلب، محمود الشريف، إن الخطورة تكمن في نسبة الجهل التي بدأت تظهر في الجيل الجديد، مؤكداً أن دمار هذا الجيل يعني أنه لن يكون للثورة معنى. ويوضح الشريف الذي انتقل للعيش والعمل في المناطق المحرَّرة، أهمية متابعة الطلبة الجامعيين داخل سوريا دراستهم وخاصة في تلك المناطق، مؤكداً ضرورة افتتاح كليات واستئناف الدراسة وتحدي تلك الظروف. من جانبها، تشجع الكاتبة الأكاديمية الدكتورة سماح هدايا، الجامعيين السوريين المنقطعين عن الدراسة على التسجيل في برامج التعليم الأجنبية مثل: "IGCSE/GCE" ودراستها والتقديم عليها في المراكز الثقافية الأجنبية، وأشارت الدكتورة، في حديثها لشبكة ""، إلى أن هذه الطريقة تفتح لهم أبواباً للتقديم على المنح الجامعية في الدول الأوروبية. ولفتت إلى أن الطلاب السوريين قدموا تضحيات كبيرة؛ في مقدمتها تركهم الدراسة بعد هروبهم من مناطق نظام الأسد، وهذا الهروب والابتعاد عن الدراسة شكلا لديهم أذىً نفسيّاً وصدمة تمثلت بعدم رغبتهم في إكمال دراستهم، بحسب تقديرها. وأوضحت أن هذه الحالة يجب أن تخلق لدى الطالب الرغبة والإصرار على متابعة الدراسة من جديد بعزيمة أكبر. وعززت الدكتورة سماح رؤيتها تجاه التعليم بهذه البرامج، بالقول إن توفير فرص التعليم لا يقتصر على الحكومات؛ بل يقع بالدرجة الأولى على عاتق الطالب، الذي عليه أن يبذل المجهود ويخوض التجربة. وفي هذا السياق، أشارت الكاتبة الأكاديمية إلى أن الجامعات الأجنبية المتميزة لا تقبل أي متقدم إليها للدراسة، موضحةً أن الطالب في هذه الجامعات عليه أن يحصل على علامات عالية وأن يكون لديه خدمة اجتماعية ولديه توصية من مدرّسيه؛ لكي يتمكن من دخول الجامعة، عكس ما يُعمل به في الوطن العربي وسوريا بدخول الجامعات بعد الحصول على الشهادة الثانوية فقط.تسهيلات تركية للسوريين دفع ارتفاع عدد الطلاب الجامعيين السوريين المقيمين بتركيا، الجامعات التركية لوضع خطة لاستقبالهم، بعد حرمانهم من إكمال دراستهم في سوريا جراء الحرب، وذلك بتخصيص مقاعد إضافية لا تؤثر على المقاعد المخصصة للطلاب الأتراك، بحسب تصريحات وزير التعليم التركي نابي آوجي، منتصف مايو/أيار 2015 . فقط، تشترط المنح المقدمة من الحكومة بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة، ألا يتجاوز عمر المتقدم 26 عاماً، كما يطلب من المتقدمين خوض امتحان الطلاب الأجانب Yos وهو امتحان يحوي أسئلة ذكاء ورياضيات ويعتبر بمثابة تقييم للطلاب الأجانب يوازي الشهادة الثانوية، وهو ما يعتبر العائق الأكبر؛ بسبب مجيئه باللغة التركية ومعلوماته غير المتخصصة، لذلك يفشل الكثير من الطلاب في النجاح فيه. بينما توَفِّر للطلاب المقبولين سكناً ومصاريف النقل والمواصلات، وراتباً شهريًاً لتغطية التكاليف المعيشية. من جانبها، حاورت شبكة "" عدداً من الشباب السوريين الذين يدرسون في الجامعات التركية، من بينهم الطالبة إيلاف عبد القادر، وهي شابة عشرينية من ريف دمشق، تدرس في قسم الهندسة بجامعة إسطنبول بعد حصولها على منحة دراسية العام الماضي. وتؤكد إيلاف أن الفرحة لم تسعها حين جاء رد الجامعة بالموافقة على طلب التحاقها بقسم الهندسة بعد أن قدمت على المنحة؛ إذ قالت إيلاف: "لم أكن أتوقع أن أعود إلى مقاعد الدراسة مجدداً بعد أن تحطمت جميع أحلامي وأنا أغادر جامعتي في سوريا؛ بسبب الحرب وانعدام الأمان". فيما أكدت إيلاف أن مئات الطلاب يتقدمون إلى الجامعات التركية عبر المنح، لكن أعداداً قليلة منهم فقط تتمكن من تحقيق الشروط المطلوبة، في إشارةٍ منها إلى صعوبة الأوراق والشروط اللازمة للمنح التركية.التعليم في المناطق السورية المحررة وعودة إلى قضية التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وللوقوف أكثر على الحلول التي يمكن أن تساعدهم في تدارك هذه المشكلة، التقت شبكة "" الدكتور عبدالعزيز دغيم، وزير التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة، الذي لفت إلى أنهم لا يستطيعون توفير فرص لخريجي الجامعات الموجودين داخل مناطق المعارضة أو حتى في تركيا، وأن هذا الأمر مرتبط بسوق العمل والمنظمات المهتمة بالتعليم بشكل مباشر، حيث يقع على عاتقهم توفير فرص عمل لحملة الشهادات من السوريين. وأكد وزير التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة، أن الوزارة تولي بالدرجة الأولى اهتمامها للطلاب المنقطعين عن دراستهم بالداخل، إضافةً إلى طلاب الدراسات العليا المنقطعين أيضاً والذين يرغبون في الإكمال، مشيراً إلى أنهم يبحثون لطلاب الدراسات عن فرص في الخارج لحل مشاكلهم، وأضاف أن الحكومة تعترف بأنها لا تستطيع أن تحل كل المشاكل، وأنها "تقدم حلولاً قدر المستطاع"، بحسب تعبيره. فيما لفت إلى افتتاح الحكومة المؤقتة جامعة حلب الحرة، في عام 2015/ 2016، بالمناطق الخاضعة للمعارضة، واعتبر هذه الجامعة أحد الحلول للطلاب الذين حصلوا على شهادة الثانوية حديثاً، لكنها تعاني ضعفاً في الكادر والتمويل، موضحاً أنها تضم كليات مختلفة، مثل: الطب البشري، وطب الأسنان، والهندسة المعلوماتية، والاقتصاد، والحقوق، والأدب العربي والإنكليزي، وكلية التربية، والتمريض، والهندسة الزراعية. وأردف عبد العزيز القول: "إن الكادر التدريسي في جامعة حلب الحرة، هم من أصحاب الاختصاص الذين كانوا يدرسون في الجامعات السورية التي تقع الآن تحت سيطرة النظام"، مشيراً إلى أنهم يتبعون منهاج جامعة حلب (في مدينة حلب) في التدريس، التي تعد من الجامعات العريقة بسوريا والعالم، بحسب وصفه. وأوضح وزير التعليم العالي أيضاً، أن كليات ومعاهد جامعة حلب الحرة تنتشر في أكثر من 50 موقعاً بالمناطق المحرّرة، مثل أرياف حلب وإدلب وحمص المحاصرة والغوطة الشرقية والقنيطرة. وبخصوص الطلاب الذين يريدون إكمال الدراسات العليا بجامعة حلب الحرة، قال الدكتور عبد العزيز، لفريق "": "لا نستطيع إطلاق برنامج دراسات عليا في أي كلية ما لم يكن لدينا 3 دكاترة، واحد منهم يجب أن يكون أستاذاً مشاركاً، وهذه الإمكانية نفتقدها في المناطق المحررة". واستدرك: "استطعنا أن نوفر فرصاً للطلاب الراغبين في الدراسات العليا بتركيا ضمن البرنامج العربي، شرط أن يكون في البرنامج 3 دكاترة عرب أو سوريين". وعن وضع الطلاب الذين لم يستطيعوا سحب أوراقهم من الجامعات؛ بسبب الملاحقات الأمنية أو ضياعها وتلفها بسبب القصف، قال وزير التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة: "في هذه الحالة، نأخذ من الطالب الراغب في إكمال دراسته بجامعة حلب الحرة، تعهداً بأنه ناجح في المواد التي يذكرها، ونسمح له بالتقديم ونعطيه وثيقة إتمام، وليس شهادة تخرج، وذلك إلى حين انفراج الأزمة وتمكنه من جلب أوراقه الرسمية من جامعته".