الدكتور عبد السلام سيد أحمد حين انتُخب صادق خان، عضو حزب العمّال البريطاني والمسلم من أصول آسويّة، لمنصب عمدة مدينة لندن عام 2015، علّق أحد كتّاب الرأي العرب قائلاً: تُرى ماذا كان سيكون مصير صادق خان فيما لو اختار والده الهجرة إلى دولة عربيّة بدلاً من بريطانيا؟” ثمّ شرع الكاتب يفصّل في السيناريو الذي تخيّله لطبيعة الحياة التي تنتظر ابن مهاجر آسيوي في دولة غربيّة، هذا بالطبع على افتراض أنّه بمقدور هذا المهاجر اصطحاب عائلته أو استقدامها للعيش معه في بلد الهجرة. وبالطبع فقد بنى كاتب المقال هذا السيناريو – الافتراضي- على مقاربته للواقع الذي يعيشه كافّة العمّال المهاجرون في البلدان العربيّة والكيفيّة التي تتعاطى بها معهم المؤسسات الرسميّة والمجتمعات في هذه البلدان. على أنّه الذي يعنينا في هذه العجالة ليس البحث في أوضاع العمالة المهاجرة في بلدان المنطقة وإنّما الشقّ الذي يتعلّق بالتمييز وتحديداً التمييز العنصري (على أساس اللون أو العرق أو الأصل القومي أو الإنتماء الديني والمذهبي أو أي مرتكز آخر). نادراً ما يتمّ التعرّض لقضيّة العنصريّة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أو التعاطي معها من قبل المؤسسات الرسميّة أو المسؤولين عن إعداد وتنفيذ السياسات باعتبارها إشكاليّة ماثلة يجب معالجتها واتخاذ تدابير بشأنها على المستوى الوطني أو المحلّي، بل نادرة هي الأقلام التي تتناول هذه القضيّة وسط المثقّفين والأدباء. إنّها، إذا استعرنا التعبير الإنجليزي الدارج – “الفيل في الغرفة” – الذي لا يبدو أنّ أحداً يراه أو ربّما يتعمّد الجميع تجاهل وجوده بينهم! والواقع أنّ هنالك نعرات عنصريّة وتمييز عنصري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما هو الحال في مناطق أخرى من العالم، يكفي أن نتفحّص أوضاع الأقليّات الإثنيّة والقوميّة والدينيّة والمذهبيّة في غالب بلدان المنطقة لإدراك ما نرمي إليه. وحتّى نجلو مقاصدنا، يجب التنويه في البدء أنّ التمييز العنصري، وفق تعريفات خبراء القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يتصل فقط بحواجز الفرق واللون والأصل القومي، وإنّما يشمل كافّة أنواع التمييز القائمة على اللغة والدين والمذهب وغيرها من الإنتماءات. إنّه – بعبارة- يتصل بالعلاقات الملتبسة بين الأنا والآخر، وكافّة التخوّفات – “الفوبيا”- التي تتصل بالآخروالتنميط السلبي الذي كثيراً ما يقولب فيه هذا الأمر. هي إذًا قضيّة تتّصل ببساطة بكيفيّة التعاطي مع الإختلاف وإدارته، والمجتمعات العربيّة حسب رؤية الشاعر الجسور ذو الحسّ الإجتماعي المرهف، أنيس شوشان، تُعاني من “رهاب الإختلاف”: إختلاف اللون يؤذينا، إختلاف الشكل يؤذينا، إختلاف الفكر يؤذينا، إختلاف الدين يؤذينا، حتّى اختلاف الجنس يؤذينا، لذا نحاول اغتيال كل اختلاف فينا. هناك بالطبع جانب مجتمعي للتوجهات والنعرات العنصريّة، وهذه مسألة ربما تعاني منها كل المجتمعات في العالم، على تفاوت في المضامين والأشكال، ثمّ هناك الشقّ المؤسسي للتمييز العنصري، وهذا هو الأهمّ لأنّه يقع في صلب مسؤوليّات الدولة باعتبار موقعها المركزي في سنّ التشريعات الملاءمة التي تحظر التمييز العنصري واتخاذ السياسات والتدابير اللازمة لوضع هذه التشريعات موضع التنفيذ، والعمل على لجم سلوكيّات الأفراد والمجموعات التي تسعى لإقصاء أو إضطهاد الآخر. ألزمت الإتفاقيّة الدوليّة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادرة عام 1965 والتي التحقت بها الغالبيّة الساحقة من الدول العربيّة، ألزمت هذه الإتفاقيّة الدول الموقّعة بأن تتخذ “تدابير فعّالة لإعادة النظر في السياسات الحكوميّة القوميّة والمحليّة، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أيّة قوانين أو أنظمة تكون مؤدّية إلى إقامة التمييز العنصري أو إلى إدامته حيثما يكون قائماً”؛ كما حثّت الإتفاقيّة الدول الأطراف بأن”تقوم كلّ دولة طرف، بجميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك التشريعات المقتضاة إذا تطلّبتها الظروف، بحظر وإنهاء أي تمييز عنصري يصدر عن أي أشخاص أو أي جماعة أو منظّمة.” والآن، إذ تعيش المنطقة العربيّة حالة غليان وتموّج بالصراعات والنزاعات المسلّحة، وتعاني من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي، وترتفع فيها وتائر البطالة والتضخّم، وفضلاً عن هذا تجتاح المنطقة موجات غير مسبوقة من الهجرة والنزوح الداخلي وتدفّق اللاجئين عبر الحدود، كلّ هذه التطوّرات تعزّز مناخاً موائماً لتزايد النعرات العنصريّة والتمييز ورهاب الأجانب والآخرين عموماً، إذ سرعان ما تنطلق ألسنة حداد بالقول أنّ “هؤلاء الأجانب يُزاحمون أبناء البلاد في لقمة عيشهم،” فضلاً عن الحديث عن المخاطر الأمنيّة. يتواتر هذا الخطاب في العديد من بلدان المنطقة التي تستضيف موجات نزوح من البلدان المجاورة وغيرها، وعلى الرغم من معرفة الجميع بأن الكافة من هؤلاء الأجانب واللاجئين هم جموع من البؤساء رمت بهم الأقدار المكفهرّة خارج حدود بلدانهم التي تطحنها الحروب والإضطرابات وأحياناً المجاعات. وبعد! نحتفي اليوم 21 مارس باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، موضوعه هذا العام: “التنميط العنصري والتحريض على الكراهيّة: بما في ذلك بما يتعلّق بالهجرة.” وبالطبع يشكّل اللاجئون والمهاجرون أهدافاً للتنميط العنصري والتحريض على الكراهيّة. هذا وقد التزمت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في إعلان نيويورك لشؤون اللاجئين والمهاجرين الصادر في سبتمبر 2016، التزمت القيام بمجموعة من الخطوات لمواجهة هذه المواقف والسلوكيّات خاصّة في ما يتعلق بجرائم الكراهيّة والعنف العنصري. وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان (ديسمبر 2016)، أطلقت مفوّضيّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حملة تستمرّ لمدّة عام كامل، شعارها “قم ودافع عن حقّ إنسان.” فلنصطفّ جميعاً للدفاع عن حقّ شخص آخر في الحريّة والكرامة والأمان الشخصي، وليكن هذا الشخص -الإنسان- مختلفًا عنّا كليّاً أو جزئيّاً. دعونا نحتفي ولو قليلًا بالإختلاف! * الممثّل الإقليمي لمكتب الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا