قرأت هذه الحادثة قبل مدة، والتي جاء فيها: روي أن (ابن جريع الإسرائيلي) كان من الأطباء المشهورين، ويثق به (صلاح الدين الأيوبي). ومما نقل عنه في حذقه: أنه كان جالساً في دكان وقد مرت جنازة فلما نظر إليها صاح: يا أهل الميت، إن صاحبكم لم يمت ولا يحلّ أن تدفنوه حياً، فقال بعضهم لبعض هذا الذي يقوله لا يضرنا ويتعين أن نمتحنه، فإن كان حياً فهو المراد، وإن لم يكن حياً فما يتغير علينا شيء، فاستدعوه إليهم وقالوا: بيّن لنا ما قلت، فأمرهم بالعودة إلى البيت، وأن ينزعوا أكفانه، فلما فرغوا من ذلك أدخله الحمام وسكب عليه الماء الحار وأحمى بدنه، فظهر فيه أدنى حس، وتحرك حركة خفيفة، فقال: أبشروا بعافيته، ثم تم علاجه إلى أن فاق وصحا، فكان ذلك مبدأ اشتهاره بشدة الحذق والعلم. ثم إنه سئل بعد ذلك، ومن أين علمت أن في ذلك الميت روحاً وهو في الأكفان محمول؟! قال: نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الموتى منبسطة فحدست أنه حي، وقد كان حدسي صائباً – انتهى. وعلمت أن بعض من دفنوا بالمقابر دفنوا والعياذ بالله، وهم ما زالوا أحياءً. صحيح أن (كرامة الميت في سرعة دفنه) – كما جاء في الحديث الشريف -، ولكن لا بأس من (الركادة) وعدم العجلة، لأن في (العجلة الندامة) مثلما يقولون، ولا بد من التثبت تماماً أن الميت قد لفظ فعلاً آخر أنفاسه. وقد وردت على ألسن حفاري القبور، روايات يشيب لها الولدان، من أن أفراداً قد قبروهم، وبعد مدة عندما نبشوا قبورهم، وجدوا أن أوضاعهم قد تبدلت، فمنهم من انقلب من جانب إلى آخر، ومنهم من انبطح على بطنه، ومنهم من وجدوه هيكلاً عظمياً قاعداً (القرفصاء)، ومنهم من كان في مقبرة جماعية وجدوه قد بدل مكانه إلى مكان آخر. هذا الكلام ليس من عندي، ولكن ذكره لي حفار قبور محترم أثق فيه وأتفاءل به كذلك، وتاركه (للعوزة). وقبل أسبوع توفي والد أحد معارفي بعد أن وصل إلى أرذل العمر، وما أن سمعت الخبر ليلاً حتى تذكرت ما رواه الطبيب (ابن جريع الإسرائيلي). وفي الصباح الباكر اتصلت بابن المتوفى، طالباً منه عدم التسرع بدفنه، وسألني متعجباً: لماذا؟! قلت له: قبل أن أجيبك أريدك أن تكشف الآن عن قدمي والدك وتخبرني هل هما منبسطتان أم قائمتان؟! فإذا كانتا قائمتين أرجوك أن تسكب على جسده ماء حاراً جداً، وستجده إن شاء الله يتحرك. فاستشاط غضباً وهو يقول لي: كنت أتوقع أنك كلمت لتعزيني، ولم أعلم أن مخك مضروب، وقفل الخط بوجهي.