الحب ليس لفظةً يمكن تداولها في لقاء صحافي أو مقالة ثقافية أو رأي نقديّ، بل هو احتواء لهذا الكون من الجمال ولأن الحب كما قيل في تعريفه لغويا متضاد ومتباعد ظاهريا.العرب علي لفته سعيد [نُشر في 2017/03/19، العدد: 10576، ص(14)] هل يحتاج الحب إلى ثقافة؟ قد يبدو السؤال مربكا أو ساذجا أو مهمّا لوضعه تحت مجهر الوعي والترتيب الدلالي والأهمية الواقعية والديمومة الحياتية، وقد يبدو السؤال لا يحتاج إلى إجابة دالة على معناها لأنه شيء مفروغ منه، وقد تبدو الإجابة محض تنظير لا يثبت على تركيز أو تمييز أو حتى ارتكاز على مبدأ محدّد ما دام الحب ذاته لا تعريف ثابتا له سوى تلك الخفقة التي تجعل الإنسان في راحة تامة وتجعله في بعض الأحيان يبكي من الحب لأنه يعيه ويفهمه. لذا يمكن القول إن لا أحد منا لا يعرف الحب ولا يتحدّث به ويجعله في منزلة عليا من الحياة، ولا أحد لا يريد أن يعيش في حبّ ووئام وسلام، والحب لا يعني العشق فقط بل هو الحب في كل شيء. والحب ليس لفظةً يمكن تداولها في لقاء صحافي أو مقالة ثقافية أو رأي نقديّ، بل هو احتواء لهذا الكون من الجمال ولأن الحب كما قيل في تعريفه لغويا متضاد ومتباعد ظاهريا “فكثيرا ما يشبّهون الحب بالداء أو العلة، وكثيرا أيضا ما يشبّه المحبون الحب ببذور النباتات. أما لفظة غرام، فهي تعني حرفيا التَعلُّق بالشيء تَعلُّقا لا يُستطاع التَخلّص منه”. لذا فإن الحب ربما يكون فطريا أيضا، فالطفل يحب دون أن يعي والأمّيُّ الذي لا خبرة له في الحياة يحب ولا يعي لماذا يحب، بل إن الأمر صعب حتى على العلماء في وضع تعريف أو مصطلح عن الحب لأنه شيء خارق وميتافيزيقيّ وفوق الفهم والدال، وهو عند البعض ميل إلى الآخر وانجذاب وعشق وغرام، وهو أمر له صلة بالوعي والثقافة، فهناك انجذاب نحو هذا الكتاب أو هذه الفكرة وهذا الرأي وتلك النظرية النقدية أو الثقافية وحتى العبادة بين الخالق والمخلوق هي علاقة حبّ ولذا يكون السؤال.. هل يحتاج الحب إلى ثقافة؟ ثم هل نحتاج إلى تعريف للحبّ لكي نفهم ما هي محركات الثقافة في الحب؟ يعرّف الرّاغب الأصفهاني، وهو أديب وعالم له كتب في التفسير والأدب والبلاغة ويعد عند البعض من المعتزلة الحب بأنه “إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا، فهي إرادة مخصوصة وليست مطلقة وهو أيضا يربط الحب بالمحبّة والاستحباب”، ولكنه عند الرازي “شهوة وميل ورغبة، وهو عبارة عن الشّهوة وميل الطبّع ورغبة النّفس”، فيما يكون تعريفه عند القاضي عياض “أصل المحبّة الميل لما يوفّق المحبّ”، لكن المعاجم الفلسفية وضعت تعاريف عديدة للحب باعتبار أن الحب له معنيان، الخاص وهو “عاطفة تجذب شخصا نحو شخص من الجنس الآخر فمصدرها الأوّل الميول الجنسيّة”، ومعنى آخر عامّ وهو أنّ “الحبّ عاطفة يؤدّي تنشيطها إلى نوع من أنواع اللذّة، سواء ماديّة كانت أو معنويّة. والحبّ هو الميل إلى الشيء السّار والغرض منه إرضاء الحاجات الماديّة أو الروحيّة، وهو مترتّب على تخيّل كمال في الشيء السّار أو النّافع، يفضي إلى انجذاب الإرادة إليه، كمحبّة العاشق لمعشوقه، والوالد لولده، وينشأ الحبّ عن عامل غريزيّ أو كسبيّ أو انفعاليّ مصحوب بالإرادة، أو إراديّ مصحوب بالتصوّر”. إن كثرة التعاريف والآراء والمصطلحات لا تثبت على قرار، حتى إن الجميع كما يقول المحلّل النفسي جاك لاكان “لم يظهر أيّ أثر أدبي أو فلسفي أعطى تصورا لموضوع الحب من دون الاستعانة بكتاب أفلاطون (المأدبة)”، كونه المؤسّس لرؤية الثقافة الغربية إلى الحب طوال القرون الماضية. حتى إن هناك تعدّدا في أسماء الحب منها: المحبّة، والهوى والصّبوة، والشّغف، والوجد، والعشق، والنّجوى، والشّوق، والوصب، والاستكانة، والودّ، والخُلّة، والغرام، والهُيام، والتّعبد حتى إن الحب عند الشعراء في جميع أنحاء العالم يكون هو القاسم المشترك لإبداعهم وإنهم الأقرب إلى الملتقّي الذي يجد ضالة حبّه في ما يقوله الشاعر نيابة عنه.. ولنا في التاريخ العربي الكثير من الشعراء مثلما لنا في شعراء الحداثة في القرن الماضي. إن الحب في خلاصة القول ليس فقط كل كما قيل بل هو يحتاج إلى وعيّ وثقافة، وما أعنيه بالثقافة ليس قراءة كتب بل هو إتّقان الحب ومصداقيته كونه مسؤولية باتّة وقارّة في العلاقة بين الإنسان وروحه وقلبه ووعيه، وإنه أمام مرحلة أخرى من الحياة التي تنقلب من جهة إلى جهة ثانية من هذا العالم.. كاتب من العراقعلي لفته سعيد