تجتاحني سعادة عظيمة عندما يحين موعد معرض الكتاب في الرياض، وفي كل مكان سواء في العالم العربي أو الأجنبي, يخيل إلي أن العالم يتحول إلى قطعة حلوى لذيذة من كتب, فالكتب كما يقول (هنري دافيفيد ثورو): "هي ثروة العالم المخزونة وأفضل إرث للأجيال والأمم". وهذا الموسم الثقافي المتكرر يجعلنا نجدد العهود والنذور مع الكتاب, فهو كرنفال يبهج العقل والروح, ويحرر الإنسان من ربقة الخرافات والأوهام, وهو مبعوث سلام لتتوازن الحياة, فلم يكن يوماً إلا صديقاً مخلصاً, ورفيقاً يغني عن البشر الذين يحيطوننا بالكثير من الخذلان واللوم والألم, ومعرض الكتاب في الرياض هو تظاهرة كبيرة, وهو فرصة للتلاقح الفكري واللقاءات الثقافية بين المثقفين والباحثين والناشرين, وهمزة وصل تتيح لهم لقاء عملاق ممتزج بالكثير من المعارف والثقافات والعناوين الكثيرة للكتب المرصوصة بعناية في جنبات المعرض, إن التنوع الثقافي الذي يشهده معرض الكتاب هو استجواب واسع للعقول, واستنطاق لحدودها المعرفية, كذلك يعرض الثقافة كخدمة ويطرحها في السوق, ولن أقول أن هناك تراجعاً أو تقدماً في معرض الكتاب لهذه السنة 2017, ولكني سأقول إن الكتاب مازال بخير, وهنا لا بد من العمل على مشروع لصناعة الثقافة وإعادة تصور استراتيجيات السوق المطروحة لتقديمها كمنتج جذاب يسعى الى استقطاب كافة شرائح المجتمع. ولكن يجب أن نتعرف على كيفية صناعة الكتاب وهل هي مجدية اقتصادياً للكاتب, نحن نعلم أن الرابح الأكبر في صناعة الكتاب في العالم العربي هو الناشر, والكاتب غالباً هو الحلقة الأضعف ولا يجني من الكتاب ربحاً مادياً, وعملية اكتمال الكتاب منظومة تمر بالآتي: المؤلف, فالناشر، الموزّع المكتبي, الناقد، فالقارئ. وعلى أساسها يمكن فهم عملية طبع ونشر الكتاب سواء, ولكن الأسئلة المطروحة: ما هو دور المؤلف في عملية صنع الكتاب في العالم العربي؟ و كيف يعملون من يشتغلون في حقل الكتابة والطباعة والنشر والتوزيع؟ هل هناك قراء حقيقيون ممن يتابعون حركة النشر بحب واهتمام؟ إن صناعة الكتاب أخطر صناعة فهي ليست مثل صناعة المنتج حسب تفضيلات وذوق المستهلك, بل خطورتها تكمن في توجيه المعارف والمعلومات بشكل يتماشى مع الهدف الذي يرسمه المؤلف أو مجموعة المؤلفين، أو ممن يكتب له الكُتاب والموجّهون. لذلك نرى في العالم المتقدم أن الساسة يضعون صناعة الكتاب ضمن اهتمامهم واستراتيجياتهم, مثلها مثل الأمن الغذائي, والبيئة, والصحة, مع الملفات الحساسة. ولكن في العالم العربي يختلف الوضع تماماً إلا أن مهمة الناشر هي تبني المؤلف، واختيار ما يصلح للنشر، والترويج للكتاب، والمطبعة تطبع الكتاب، ثم الموزع يوزع الكتاب ويوصله إلى رفوف المكتبات، هذا التنظيم صارم في الدول المتقدمة، ولكن تكتنفه الفوضى في عالمنا العربي، ونتيجة لسوء الإدارة وقلة التنظيم والموارد المادية، أصبحت معارض الكتب هي المنفذ الأكثر ليوزع الناشر كتبه ويوصلها للقارئ. والواقع أن معارض الكتب بدل أن تكون مكاناً للقاء بين الناشرين والمؤلفين, تحولت إلى ساحة تجارية من يبيع أكثر ومن يرفع الأسعار أكثر, فليس لدينا شركات متخصصة في توزيع الكتاب, لذلك الناشر مضطر أن يمارس دوراً غير دوره الحقيقي, وكذلك المؤلف, وغياب سياسات وآليات التسويق ايضاً أثرت على عملية التخصص في منظومة صناعة الكتاب, السؤال هذه الفوضى التي نعيشها في عالم الكتب من يرتبها؟.