بيروت: كارولين عاكوم لم يمض أكثر من 24 ساعة على إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أنه باق في السلطة، وتأكيد حليفه أمين عام حزب الله حسن نصر الله أن خطر سقوط حليفه «انتهى»، حتى أتى إعلان وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، أمس، عن أن باب الترشح للانتخابات الرئاسية سيفتح في الأيام العشرة الأخيرة من شهر أبريل (نيسان) الحالي، مؤكدا أن الانتخابات ستجرى في موعدها في يونيو (حزيران) المقبل وفي ظروف «أفضل من الظروف الحالية». هذا الإعلان الذي تضعه المعارضة في خانة «التحدي» للمجتمع الدولي، والتأكيد على عدم اكتراث الأسد بأي حل سياسي، وهو القائل بأن العمليات العسكرية ستنتهي هذا العام، قد لا يكون أكثر من رسالة تمهيدية للوصول إلى التمديد الذي ينص عليه الدستور، إذا كانت الظروف في البلد لا تسمح بإجراء الانتخابات، وفق ما أشار إليه مدير المكتب القانوني في المجلس الوطني السوري، هشام مروة. واعتبر مروة الحديث عن انتخابات في سوريا في هذا الوضع الحالي ليس أكثر من رسالة سياسية تمهّد لإعادة الشرعية للأسد، يؤكد فيها أنه غير مكترث بأي حل سياسي، وتحد سافر للمجتمع الدولي. ويذكّر مروة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ببيان «أصدقاء سوريا» الأخير، الذي اعتبر أن تنظيم السلطات السورية لانتخابات رئاسية من جانب واحد «يمثل رفضا واضحا» من جانبها لمباحثات جنيف، و«نسفا خطيرا» لجهود إنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وكانت دول مجموعة «أصدقاء سوريا» أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي أنها ستعتبر أي انتخابات رئاسية يجريها النظام ويكون الرئيس بشار الأسد مرشحا فيها «ملغاة وباطلة»، معتبرة أن فكرة إجراء انتخابات رئاسية ينظمها النظام تمثل تناقضا تاما مع مسيرة «جنيف 2»، وهدفها المتمثل في «تنفيذ عملية انتقال ديمقراطية عن طريق التفاوض»، واصفة عملية اقتراع من هذا النوع بـ«المهزلة». وأوضح مروة أن إجراء الانتخابات بعد إعلان الأسد نيته الترشّح وإن بشكل غير مباشر، يعني أنه سيتسلح بالدستور الذي فصله على قياسه، فهو إما أن يعيد إنتاج نفسه بإجراء انتخابات صورية على وقع القصف والدبابات والبراميل المتفجرة، وفي غياب المرشحين المنافسين والمقترعين، أو أن يضع المجتمع الدولي تحت أمر الدستور الواقع الذي يعطي مجلس الشعب الحق في التمديد للرئيس في ظل الأوضاع الطارئة. وسأل مروة «كيف يمكن إجراء انتخابات في بلد مدمّر، وكيف يمكن لنتائجها أن تكون نزيهة؟». وأوضح أن أهم شروط إرجاء الانتخابات، المتمثلة في الأمن والحياة الطبيعية وقدرة الناس على الخروج من منازلهم للتصويت، غير متوافرة في سوريا، إضافة إلى عدم قدرة اللاجئين السوريين على الانتخاب بسبب عدم وجود سفارات لسوريا في عدد من الدول العربية حيث يوجد معظمهم. وفي حين اعتبر الزعبي أن «العبرة ستكون بعدد الذين سيشاركون وليس بالجغرافيا»، وهو ما بدا إشارة واضحة إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام، لفت مروة إلى أن الدستور السوري لا يشترط مشاركة عدد معين أو نسبة محددة من المواطنين، بل إنه يمنح حق الفوز لأي مرشّح يحصل على أعلى نسبة من بين المقترعين. وطالب انطلاقا من هذا الواقع المجتمع الدولي بالتحرّك والعودة إلى مجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات اللازمة التي تلزم الطرفين بمقررات «جنيف 1»، وأهمها تشكيل هيئة انتقالية. من جهته، استغرب خبير القانون الدولي اللبناني، أنطوان صفير، إعلان سوريا عزمها إجراء الانتخابات الرئاسية رغم الأوضاع التي يعيشها البلد وتهجير ملايين المواطنين. ورأى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن العملية الانتخابية وكيفية إدارتها هي من مسؤولية النظام السوري الذي لا يزال يحظى بالاعتراف الدولي رغم سحب بعض الدول هذا الاعتراف منه. ولفت صفير إلى أن الناحية التقنية للعملية تفتقد إلى عوامل أساسية ومهمة، أبرزها فقدان النظام سيطرته على بعض المناطق وبالتالي عدم القدرة على إقامة مراكز اقتراع فيها، إضافة إلى تهجير مئات الآلاف الذين قد لا يدلون بأصواتهم. وأشار إلى أن هذه الوقائع من شأنها أن تؤثر سلبا على نتائج هذه الانتخابات التي قد يكون مشككا في نتائجها بسبب عدم مشاركة هذا العدد الكبير من الشعب السوري بها، موضحا في الوقت عينه أن «الحكم على هذه النتائج يأتي بعد انتهاء الانتخابات التي هي من مسؤولية الدولة». وبالنسبة إلى صفير لا ينفصل إصرار الحكومة السورية عن التطورات السياسية الدولية المرتبطة بالأزمة في الداخل، لا سيما أن النظام السوري قائم بقوة الأمر الواقع وبدعم من حلفائه في الخارج وببعض نقاط القوة في الداخل في مواجهة المعارضة المنقسمة على ذاتها. وأوضح «الأسد هو الآن على رأس هذا النظام، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات لن يغيّر من المشهد كثيرا إذا لم يُتّخذ حل شامل للأزمة السورية التي تحوّلت إلى حرب أمم يدفع ثمنها الشعب في الداخل والخارج». وكان الزعبي قال في مقابلة مع قناة «المنار» التابعة لحزب الله، إن الدولة السورية تعتبر هذه الانتخابات «بمثابة اختبار لخطابها السياسي وإيمانها بالحلول السياسية واحترامها للدستور»، مؤكدا أنها «ستجرى وفقا لمعايير الشفافية والحياد والنزاهة وفي ظروف أفضل من الظروف الحالية، ولن نسمح لأحد بأن يؤخرها أو يؤجلها لأي سبب كان أمنيا أو عسكريا أو سياسيا داخليا وخارجيا». وأكد أن «تنفيذ هذه الاستحقاقات لا يتعارض مع التوجه إلى الحل السياسي أو عملية جنيف أو المصالحات الوطنية في الداخل، كما أنها ستعزز صمود السوريين وتماسك الدولة بكل مؤسساتها وقدرتها على القيام بواجباتها الدستورية الوطنية». وفي غضون ذلك، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال، أمس، أن الأسد «ربما سيكون آخر الناجين من سياسة الجريمة الجماعية» التي يتبعها، معربا عن الأسف «للمأزق المأساوي» في سوريا. وندد نادال بالانتخابات السورية معتبرا أنها «مهزلة مفجعة». وقال إن «المنطق الذي انغلق داخله بشار الأسد منذ ثلاث سنوات مع ذبح شعبه من أجل البقاء في السلطة يعطي النتيجة التي نعرفها اليوم: 150 ألف قتيل. إنه مأزق مأساوي ومأزق للشعب السوري». وشدد على أن «الهدف الوحيد لبشار الأسد هو إبادة شعبه. ربما سيكون آخر الباقين من سياسة الجريمة المكثفة، لكنه مأزق تام لسوريا». وأضاف نادال «لا توجد خطة غير انتقال سياسي. سيكون الأمر الوحيد الذي يوقف حمام الدم في هذا البلد»، مؤكدا أن سوريا ستبقى «أولوية في تحرك فرنسا». وقال «منذ ثلاث سنوات لم تؤد للأسف الجهود الدبلوماسية إلى نتيجة، لكننا نواصل العمل على انتقال سياسي. إنه أمر صعب لكننا ندعم ائتلاف المعارضة وندعم دول المنطقة التي تواجه تدفقا كثيفا للاجئين ونقدم مساعدة إنسانية».