كان مركز إدارة التحقيقات، الموجود في بنايةٍ ذات سقفٍ منحدر الجانبين في شارع بوكروفكا في قلب موسكو، مليئاً بالأضواء وشرب الكحوليات في إحدى ليالي الأسبوع الماضي. وكان صحفي تحقيقات بارز، أندريه كونياخين، وفريقه على وشك نشر تقريرٍ آخر يكشف عن نمط الحياة الفارهة لكبار البيروقراطيين في ظل حكم الرئيس فلاديمير بوتين. في الساعة السابعة مساءً، عندما جلس ملايين الروس حول موائد طعامهم، نشر المركز تحقيقاً آخر من تحقيقاته على الإنترنت، وكان هذه المرة عن نمط الحياة الملكي لمساعد الرئيس فلاديسلاف سوركوف، الذي يُعرَف بـ"الكاردينال الرمادي" لروسيا، وسمسار سلطتها، و"مؤسِّس البوتينية". ومع ذلك، لا يستطيع المرء أن يبقى بعيداً عن الأضواء طويلاً حينما تكون زوجته مُولعة بالتقاط الصور لنفسها ونشرها على الشبكات الاجتماعية، حسب تقرير لموقع ذا ديلي بيست الأميركي. وذكر التقرير أنَّ سوركوف وزوجته الشقراء الجذَّابة، التي تُدعى ناتاليا دبوفيتسكايا، لا يمتلكان منزلاً واسعاً واحداً فحسب، بل اثنين في أحد الأحياء المُسوَّرة التي تسكنها النخبة، على بعد 12 كيلومتراً خارج موسكو. وأخبر كونياخين، الإثنين 13 مارس/آذار، موقع ذا ديلي بيست أنَّه من أجل إعداد التحقيق الصحفي، دقَّق الصحفيون في الصور التي نشرها أصدقاء ناتاليا وضيوفها في منزليها على موقع فيسبوك، وتحقَّقوا كذلك من البيانات العامة حول الدخل الرسمي لزوجها سوركوف. وقال كونياخين إنَّ "دخل العائلة السنوي البالغ نحو 17 مليون روبل (نحو 300 ألف دولار) لن يكون كافياً للعيش في مثل هذا المستوى من الرفاهية".ماري أنطوانيت وأظهرت إحدى الصور التي نشرها صحفيو التحقيق ناتاليا وصديقاتها السيدات، وهُنَّ زوجات مُتألِّقات لمشاهير ومليارديرات روس، مرتدياتٍ ملابس على الطراز الباروكي، تعود لحقبة ماري أنطوانيت. ربما كانوا في قصر فرساي يقترحون على الفلاحين أن يأكلوا الكعك (تشير بعض المصادر إلى أنَّ ماري أنطوانيت طلبت من الفلاحين أن يأكلوا الكعك إن لم يجدوا خبزاً). ويرتدي بعضٌ من أولئك السيدات كذلك ملابس مُموَّهة، ويركبون شاحنة عسكرية؛ أو يستقلُّون طائرةً خاصة مُتَّجهةً إلى دبي. هل المحطة التالية هي منتجع مار ألاجو؟ بالتأكيد الذوق ترامبي، حتى لو كان المال بوتينياً. وذكر التقرير أيضاً رئيسة تحرير محطة روسيا اليوم، مارغاريتا سيمونيان، باعتبارها إحدى الضيفات الدائمات في منزل سوركوف. ويستخدم مركز إدارة التحقيقات، الذي أُسِّس قبل بضعة أشهر فقط، ويُموَّل من قِبَل ميخائيل خودوركوفسكي، قطب النفط السابق الذي سُجِن لنحو عقدٍ من الزمن وأجبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الخروج إلى المنفى، المصادر العامة لتوثيق الفساد وإساءة استخدام السلطة. ابنة بوتين وفي يناير/كانون الثاني 2017، كان الصحفي سيرغي كانيف أول من يكتب عن الحياة السرية والتجارة المُربِحة لماريا فورونتسوفا، إحدى ابنتي الرئيس بوتين، في وسط موسكو، في مجلة ذا نيو تايمز، وهي مجلة روسية مستقلة. قال كونياخين، وهو صحفي سابق في النسخة الروسية من مجلة فوربس الأميركية: "لقد ضجر الروس من فساد كبار مسؤولي الدولة. إنهم يشبهون الملوك والنبلاء الفرنسيين فيما يرتدون من ملابس". وأضاف: "هناك مطلبٌ عام بأن تُكشَف المزيد من الأسرار عمن هم في السلطة". تسريب جديد كل أسبوع وكل أسبوع تقريباً يتنامى إلى علمِ المواطنين الروس تسريبٌ جديدٌ عن موظفٍ كبير أو فضيحة ما يتورَّط فيها أصدقاء الرئيس بوتين المقرَّبون. وتكشف التحقيقات الصحفية عن يخوتٍ، وقصورٍ، ومساحاتٍ واسعة من الأراضي الخاصة، والطائرات الخاصة، في حوزة مسؤولين روس رفيعي المستوى. وبينما بدأ العدُّ التنازلي للانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، بعد عامٍ من الآن، تبدو روسيا وكأنها قد تحوَّلت إلى غربالٍ عملاق تنهمر المعلوماتُ من ثقوبه الواسعة. وفي أقلِّ من أسبوعٍ، شاهَدَ ما يقرُب من مليون مستخدم التقريرَ الخاص بسوركوف على موقع فيسبوك، وعلى الشبكة الاجتماعية الروسية Odnoklassniki، وموقع يوتيوب، وموقع Echo of Moscow. فساد ميدفيديف الكبير وفي وقتٍ مبكرٍ، من شهر مارس/آذار 2017، اتهم موقع Anti-Corruption Fund المناهض للفساد، الذي يديره الزعيم الرئيسي للمعارضة أليكسي نافالني، الرئيسَ الروسي السابق، ورئيسَ الوزراء الحالي ديمتري ميدفيديف، بالفساد الكبير. وأفاد الموقع بأن ميدفيديف يمتلك قصراً تبلغ قيمته 85 مليون دولار خارج موسكو. وبحلول الإثنين، 13 مارس/آذار 2017، شاهَدَ ما يقرُب من 9 ملايين شخص تحقيق نافالني الصحفي المُصوَّر على موقع يوتيوب. وفي يوليو/تموز 2016، كتبت صحيفة نوفايا جازيتا الروسية، الشهيرة بتحقيقاتها الصحفية، عن العلاقة بين الصديق المقرَّب للرئيس بوتين، نائب رئيس الوزراء سابقاً، والرئيس الحالي لشركة روسنفت العملاقة للنفط، إيغور سيشين، واليخت الرائع الذي يحمل اسم الأميرة القديسة أولغا. وكان سيشين، الذي عَمِلَ بشكلٍ مُقرَّب مع وزير خارجية ترامب والرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، ريكس تيلرسون، يتجنَّب على مدارِ سنواتٍ عديدة الإعلان صراحةً عن دخله. لكن زوجة سيشين، أولغا سيشينا، قد ساعدت التحقيق الصحفي من خلال نشر صورٍ لأوقاتٍ طيبةٍ قضتها على اليخت في إيطاليا وإسبانيا على الشبكات الاجتماعية. وكانت صحيفة نوفايا جازيتا ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المُنظَّمة والفساد قد استخدما صور سيشينا ومواقعها الجغرافية في تقريرهما المُشترَك. وتُصرُّ الصحيفة على أن سيشين، وهو الذي يُعد واحداً من المسؤولين الروس المُقرَّبين من بوتين، الذي يقول عنه الصحفيون الروس إنه "لا يمكن المساس به"، قد أنفَقَ أموالاً أكثر من تلك التي جناها من شركة روسنفت. فما كان من سيشين إلا أن رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة وربحها، ليُلزِم الصحيفة بنفي ادعاءات الفساد، لكن ليس نفي تفاصيل رحلة اليخت. وقُرِئ تحقيق نوفايا جازيتا حول ممتلكات إيغور سيشين من قِبَلِ أكثر من 800 ألف شخص، وهو العدد الذي يُمثِّل جمهوراً كبيراً على الإنترنت لصحيفةٍ يبلغ تداولها الورقي حوالي 184 ألفاً و400 نسخة. لكن هل سيكون لأيٍّ من ذلك تأثيرٌ حقيقي؟ هنا، أيضاً، يُذكِّرنا هذا الموقف بما يجري في أميركا. وقال بافيل كانيجين، الصحفي بصحيفة نوفايا جازيتا: "تتنامى شعبية هذا النوع من التحقيقات". وأضاف: "يكشف المحرِّرون عن فساد الرجال المقرَّبين من بوتين: سوركوف، وسيشين، وميدفيديف. لكن لا يبدو أن المجتمع يحلِّل فساد الرئيس نفسه بعد، إذ يُنظَر إليه كرمزٍ أبوي، كخالقٍ، وهكذا طُمِسَت التحقيقات حول ابنة بوتين وقصوره وسط الإعجاب الذي يحيط بالزعيمِ، الخلاق، الذي يُفضِّل الناس أن يبقوه في ضبابِ الغموض". - هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .