مدريد: «الشرق الأوسط» يبحث الآلاف من الوكلاء والمديرين بين الأطفال عن موهبة جديدة تضاهي موهبة الساحر الأرجنتيني ليونيل ميسي، ويبرمون صفقات نارية من ورائهم في مجال عمل لا يخضع لأي رقابة أو ضوابط، لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يسعى لإيقاف هذه الظاهرة. وقال خوان بابلو مينيسيس، وهو خبير في السوق الكروية للأطفال، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن «العمل يعتمد على الشراء بسعر رخيص، على أمل أن تتحول هذه السلعة الرخيصة، وهي طفل من دولة فقيرة، إلى منجم ذهب، مثلما حدث مع ميسي.. فالهاجس في كرة القدم المعاصرة هو إيجاد ميسي جديد». ويعتقد التشيلي مينيسيس، الذي ألف كتاب «نينوس فوتبوليستاس» (أطفال كرة القدم) أن النجاح في تعاقد برشلونة الإسباني مع الأرجنتيني ميسي حينما كان في الثالثة عشرة من عمره هو السبب في ازدهار ظاهرة التعاقد مع الأطفال، وهو الأمر الذي أسفر عن معاقبة برشلونة من قبل الفيفا يوم الأربعاء الماضي. وحظر الفيفا على نادي برشلونة إبرام أي صفقات في الموسم المقبل بسبب خرق لوائح التعاقد مع الصغار، وهي السوق التي ازدهرت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة. وأوضح مينيسيس «لا توجد حدود، إنه مثل أي هاجس للاستهلاك.. لا توجد حدود في المجتمع السوقي». وأشار إلى أنه «لكن رغم ذلك فإن ما يفعله الفيفا مع برشلونة يجعلني أفكر في أنهم على الرغم من عدم وضعهم حدودا، فإنهم (الفيفا) للمرة الأولى يصدرون، مثلما لم يحدث من قبل، تحذيرا حول شيء يحدث وليس بإمكانهم السيطرة عليه». وسافر مينيسيس حول قارة أميركا اللاتينية لنحو عامين، محاولا شراء لاعب كرة قدم من الأطفال، كجزء من بحثه العلمي. وشدد مينيسيس «دائما ما أقول إن ميسي هو الشخص الرئيس الذي يتحمل اللوم لكل ما يحدث، فكما يفعل في الملعب عندما يجعل الأمر يبدو وكأن أي خطوة سهلة، فإنه أيضا في عالم المعاملات التجارية يجعل الأمر يبدو وكأن حالته بمثابة طريقة سهلة لكي تصبح غنيا: اشتر طفلا فقيرا من مدينة فقيرة في بلد فقيرة مقابل بضعة آلاف يورو، وخلال فترة ليست بالطويلة ستساوي قيمته مئات الملايين». وسيطر برشلونة على كرة القدم العالمية في العقد الماضي بشكل رئيس عبر اللاعبين الذين ترعرعوا في قطاعات الناشئين في النادي، مثل ميسي وتشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا وسيرجيو بوسكيتس وكارلس بويول وجيرارد بيكيه وفيكتور فالديز. وجميع هؤلاء النجوم باستثناء ميسي فازوا مع المنتخب الإسباني بلقب كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، وترعرعوا في «لا ماسيا» حيث يقع مركز تنمية الناشئين في برشلونة والذي ينظر إليه دائما على أنه مصدر فخر باعتباره أفضل مصنع للاعبي كرة القدم في العالم. وأوضح نادي برشلونة يوم الأربعاء الماضي بعد الإعلان عن عقوبات الفيفا ضده «نموذج تنمية برشلونة دائما ما يلقى الاعتراف من الفيفا.. (لا ماسيا) تم استخدامها دائما كنموذج للممارسات الجيدة». وأسفرت فلسفة برشلونة عن قيادة الفريق لتحقيق الكثير من الإنجازات الدولية، وهناك جهود كبيرة تبذل لنقل هذه التجربة إلى بلدان أخرى. وأوضح مينيسيس «لقد تمت محاكاة هذه التجربة في ألمانيا، عبر المدرب الإسباني بيب غوارديولا الذي ترك تدريب برشلونة وانضم إلى بايرن ميونيخ، وتمت محاكاة التجربة في إنجلترا عبر نقل مسؤولي برشلونة إلى أندية مثل مانشستر سيتي». وأشار مينيسيس إلى أن «برشلونة أبدع بشكل مختلف تماما عن الآخرين في إجراءات التوظيف، اليوم لا يوجد طفل موهوب للغاية يتراوح عمره بين العاشرة والثانية عشرة لم تتم مراقبته من قبل برشلونة. هذه التعاقدات التي يعاقب برشلونة من أجلها، الذين يبلغون من العمر بين 15 و16 عاما، في الحقيقة تمت ملاحظتهم من جانب برشلونة منذ أن كانوا في السابعة والثامنة من العمر». ويعتقد الخبير التشيلي مينيسيس أن عقوبة الفيفا ربما تكون نقطة تحول في التجارة المربحة للاعبين الأطفال، لكنه يبقى متشككا بشأن اللحظة التي اختارها الفيفا لتطبيق العقوبة. وأكد «السؤال هنا: لماذا الآن.. ولماذا برشلونة؟.. لدي تفسيران محتملان، الأول هو مهاجمة برشلونة بشكل مباشر، والآخر ربما يتعلق قليلا بتلميع صورة الفيفا قبل 70 يوما من انطلاق كأس العالم في البرازيل، وهي الدولة التي تعد قيمة اللاعبين الأطفال بها هي الأعلى في أوروبا». ودائما ما يعارض الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) إبرام صفقات مع لاعبين أقل من 18 عاما. وقال بلاتيني لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) قبل عام واحد في زيوريخ «من حيث المبدأ أنا ضد انتقال اللاعبين الصغار. كل دولة لديها لوائح في هذا الشأن، وينبغي احترام ذلك. إذا تم احترام اللوائح فلا يمكن فعل شيء ضدها». وأوضح مينيسيس أن المال أصبح العنصر الأكثر أهمية لأندية كرة القدم، حيث تسعى الأندية دائما لجني المال سواء من صفقات اللاعبين الكبار أو الأطفال على حد سواء. وختم الخبير التشيلي حديثه بالقول «الصورة في هذا العصر أصبحت كما لو كانت لدينا ابنة لميسي وابن لكريستيانو رونالدو، وبعد عشرين عاما نقوم بإرسالهما إلى جزيرة جميلة ومنعزلة لنزوجهما ونبيع ابن هذه الزيجة إلى شركة استثمار أموال.. هذه هي كرة القدم هذه الأيام، ولذا فإنني أطلق عليها ما بعد كرة القدم».