وظَّفت المخابرات المصرية شركتي علاقات عامة في واشنطن للضغط من أجل تحسين صورتها، وهو أول تعاقد لأقوى جهاز أمني مصري يُنشر علانيةً وخطوة نادرة من قبل جهة استخباراتية أجنبية. وتُظهر البيانات المنشورة على موقع وزارة العدل الأميركية، بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني الماضي، التي اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس للأنباء، أن جهاز المخابرات العامة المصرية قد عيَّن شركتي علاقات عامة أميركيتين وهما "ويبر شاندويك"، و"كاسيدي وشركاه" لأداء هذه المهمة، وفقاً لما ذكرت صحيفة "" الأميركية ونُشرت وثائق التسجيل الخاصة بعقود أجهزة الاستخبارات المصرية المهيبة علانيةً امتثالاً لقانون تسجيل أجهزة المخابرات الأجنبية الأميركي (FARA) الصادر عام 1938.الشروط وتبيِّن العقود أن الشركات ستساعد مصر في الترويج لـ"شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية"، وتسليط الضوء على التطور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وعرض نشاطات المجتمع المدني والترويج لـ"دور مصر الرائد في إدارة المخاطر الإقليمية". وتبلغ قيمة هذه التعاقدات 1.8 مليون دولار سنوياً. ووفقاً لبيانات التسجيل، ستساعد شركتا العلاقات العامة الأميركية مصر في تحديد العناصر المحتملة الداعمة لأجندتها داخل واشنطن، وتحسين صورة جهاز المخابرات العامة عبر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، والمساعدة في إدارة الأزمات، وربما الترتيب لزيارة عملاء المخابرات المصرية إلى واشنطن، بحسب ما جاء بموقع الأميركي. وتكتسب هذه الموضوعات أهمية لدى حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحريصة على رسم صورة إيجابية عنها لدى القوى الأجنبية، خاصة لدى حليف هام كالولايات المتحدة الأميركية، والتي ترسل مساعدات عسكرية سنوية للقاهرة تُقدَّر بنحو 1.3 مليار دولار. ويقول المحلِّل مختار عوض، بجامعة جورج واشنطن الأميركية: "تعتقد الحكومة المصرية أن علاقتها بالولايات المتحدة قد تدهورت بسبب العلاقات العامة السيئة وعدم قدرتها على نشر روايتها عن الأحداث". وأضاف: "إنهم ينفقون المزيد من الأموال لدعم هذا التوجه ويبدو أن هذه السياسات آخذة في التوسّع".صفقات أخرى وكانت الحكومة المصرية قد أبرمت عقداً مع مجموعة "غلوفر بارك" لتوظيف حملات الضغط في واشنطن لسنواتٍ عديدةٍ. وقد تشير الخطوة الأخيرة للمخابرات العامة إلى وجود منافسة بين وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات، والتي تشعر بالإحباط من أداء موظفي الدولة وعدم قدرتهم على الترويج لسياسات الحكومة المصرية لدى الحكومات والمستثمرين الأجانب. وكتب الباحث والناشط الموريتاني الأميركي ناصر ودادي، على موقع تويتر حول صفقات المخابرات المصرية مع شركات العلاقات العامة، قائلاً: "يتعلَّق الأمر بمنافسةٍ سياسيةٍ داخليةٍ بين جهاز المخابرات ووزارة الخارجية. ويُعد تدخُّل المخابرات بنفسها خطوةً متأخرةً لجذب المستثمرين وطمأنة الخارج، وهي مهمات فشلت وزارة الخارجية في إنجازها. وأجهزة المخابرات تقوم بدور وزارة موازية للشؤون الاقتصادية والخارجية". بينما رأى آخرون جهود الضغط التي تسعى المخابرات المصرية إلى توظيفها بأنها مؤشرٌ على تشرذم قوات الأمن المصرية، ومحاولةٌ من قِبَل عملاء المخابرات المصرية لاستغلال واشنطن لكسب أفضلية على جنود ورجال شرطة منافسين لهم. يقول الباحث في العلوم السياسية، تيموثي قلدس، بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، لموقع : "أشعر بالفضول لرؤية ما إذا كانت جهود حملات الضغط ستركز على تحسين سمعة جهاز المخابرات العامة في مقابل سمعة الدولة المصرية. إن عمل العديد من المؤسسات من أجل تحسين سمعتها الشخصية أمر لافت. وتوزِّع وزارة الداخلية، أو الجيش، أو جهاز المخابرات العامة المساعدات الغذائية بأنفسهم بدلاً من توزيعها باسم الدولة المصرية. إن قدرتهم على الوصول إلى إدارة ترامب قد تزيد من قوتهم في مواجهة المؤسسات الأخرى في الدولة". تسلك القاهرة نهجاً أكثر مرونة في بعض الملفات لتعزيز صورتها، إذ تبالغ، على سبيل المثال، في أعداد اللاجئين الموجودين في مصر بعشرة أضعاف عددهم الحقيقي في محاولة لإقناع الدول الأوروبية بإرسال المزيد من أموال المساعدات لدعم ملفات الأمن والتنمية ولمنعِ الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط. كما أنها تبدِّل ما بين استراتيجية التقليل من شأن المتطرفين في شبه جزيرة سيناء في بعض الأوقات، وتضخيم خطرهم في أوقاتٍ أخرى، بناءً على أي المواقف أكثر نفعاً لها في وقتٍ معينٍ أثناء توجيه خطابها للجمهور المحلي أو الأجنبي. يُطبق قانون تسجيل المخابرات الأجنبية الأميركي من قبل مسؤولي مكافحة التجسس بالتعاون مع وزارة العدل الأميركية. وتعد الخطوة المصرية أمراً نادراً بالنسبة لحكومة أجنبية، إذ تُنَفَّذ غالبية وثائق التسجيل بواسطة بعثات دبلوماسية، ومبادرات لشركات أو رجال أعمال، وجماعات سياسية أو معارضة. ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تخفِّف فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حدة تعاملها مع الحكومات السلّطوية بما فيها الحكومة المصرية، التي أدرجتها وزارة الخارجية الأميركية ضمن تقريرها السنوي عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الأسبوع الماضي. وتقول مصر إنها تواجه خطراً إرهابياً حقيقياً، وإنه لا يمكن الحكم عليها وفقاً للمعايير الغربية، غير أنها تؤكد أن السائحين الأجانب آمنون في البلاد. وذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية أن "الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، والعجز عن حماية حقوق الأفراد، وقمع الحريات المدنية تعد من أهم مشكلات ملف حقوق الإنسان في مصر". وأضاف التقرير أن الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة المصرية تشمل "الاختفاء القسري، وعمليات القتل غير القانونية والتعذيب". ولا زالت مصر تحاول التعافي اقتصادياً بعد ثورة الربيع العربي في عام 2011، والتي أطاحت بالرئيس المستبد حسني مبارك الذي حكم البلاد فترةً طويلة، وتلى ذلك إطاحة الجيش بالرئيس ذي الخلفية الإسلامية المُنتَخَب في انتخاباتٍ حرة محمد مرسي. وتعتمد البلاد على القروض الأجنبية والمساعدات لتحقيق هذا التعافي. وخلال الأسبوع الماضي، حصل مبارك على براءة من التهم الموجهة له بقتل المتظاهرين، وبات من الممكن حالياً إطلاق سراحه من إقامته الجبرية غير الرسمية، والتي ظل قيدها طوال السنوات الأخيرة. ويصف نشطاء براءة مبارك بأنها آخر مسمار يُدق في نعش الآمال الديمقراطية الأخيرة في مصر. ومنذ الإطاحة بمرسي في عام 2013، شنَّت حكومة السيسي حملةً قمعيةً قويةً ضد المعارضين، إذ سجنت آلاف الأشخاص، معظمهم من الإسلاميين لكنها سجنت أيضاً عدداً كبيراً من النشطاء الليبراليين العلمانيين، بمن فيهم من شاركوا في قيادة ثورة 2011. وحظرت الحكومة أيضاً أي تجمعات عامة غير مصرَّح بها، وكذلك حظرت جماعة الإخوان المسلمين وصنَّفَتها كجماعةٍ إرهابية. ويُعد عقدا التسجيل المصري مع شركتي العلاقات العامة، بموجب قانون تسجيل أجهزة المخابرات الأجنبية الأميركي، من بين عقود تسجيل عديدة أبرمتها وكالات حكومية مصرية سابقاً لكنها أُدرجت تحت اسم وزارات أو مؤسسات تجارية أو سياحية أو مرتبطة بقطاع الأعمال. لكن في عقدي التسجيل الأخيرين ذكرت البيانات المكتوبة في خانة "الفرع أو الوكالة المُمَثلة في عملية التسجيل" أن الجهة المُمَثلة هي جهاز المخابرات العامة المصرية. وُقعت العقود من قِبَل اللواء ناصر فهمي نيابةً عن اللواء خالد فوزي، مدير المخابرات العامة المصرية. وتبلغ قيمة العقد المبرم مع شركة "ويبر شاندويك" ما لا يقل عن 1.2 مليون دولار سنوياً، مُقسطة إلى 300 ألف دولار كل ثلاثة أشهر. فيما تبلغ قيمة عقد شركة "كاسيدي وشركاه" 600 ألف دولار سنوياً، يُدفع منها 150 ألف دولار كل ثلاثة أشهر. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط .