أودعت محكمة جنايات القاهرة، حيثيات حكمها الصادر ببراءة المستشار محمد أبو الحسب رئيس نيابة الهرم، ومعاقبة بلال عادل محمد أحمد وناصر أبو الوفا عبد الشفيع بالسجن المشدد خمس سنوات ومعاقبة محمد سلطان ناجي بالحبس مع الشغل سنة ومصادرة أدوات الجريمة. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة المستشار محمد منصور حلاوة، وعضوية المستشارين محمد عمر الأنصاري، وأشرف الجميل، بحضور عمر رجب وكيل النيابة بأمانة سر أشرف جابر، إن واقعة الدعوى تتحصل في أن المتهم بلال عادل محمد أحمد تربطه صله وطيدة بالمتهم الأول محمد علي أبو الحسب رئيس نيابة الهرم الجزئية منذ سنين عددا، فهما أبناء بلدة واحدة بمحافظة الفيوم كما تربطهما علاقة أسرية فقد كان الأول قائماً على خدمة الثاني وتلبية حوائجه حين حاجته إليه. وأضافت الحيثيات: أنه عقب انتقال المتهم الأول رئيساً لنيابة الهرم الجزئية منذ 1 أكتوبر2015 بحث له عن مسكن بالقرب من مقر النيابة، وقام بتأثيثه بناء على طلب المتهم الأول وكان يتردد عليه بمقر عمله بصفة مستمرة، ومن خلال هذا التردد تعرف على المتهم الرابع محمد سلطان ناجى المكلف بتأمين مبنى النيابة والمجند محمود سعيد على المعين لخدمة مكتب أعضاء النيابة، وعلم بوجود مخزن للأحراز بمقر النيابة يشتمل على أشياء ثمينة كأسلحة وهواتف غالية الثمن ومشغولات ذهبية ولحاجته الملحة إلى المال لسداد قسط سيارته الجديدة الذي يبلغ عشرة آلاف جنيه شهرياً فكر ملياً في طريقة لسرقة هذه الأحراز. أوضحت الحيثيات أنه قبل نحو شهرين من ارتكاب الواقعة توجه إلى مقر النيابة ومعه صديقه المتهم ناصر أبو الوفا عبد الشفيع لتغيير زجاج مكتب رئيس النيابة، فعرف أن مبنى النيابة مراقب بكاميرات مراقبة وأن جهاز تسجيل هذه الكاميرات موجود بمكتب رئيس النيابة، وعرض على المتهم الثالث فكرته في سرقة الأحراز غالية الثمن لقاء مبلغ عشرة آلاف جنيه فوافقه شريطة أن يحصل منه على مبلغ عشرين ألف جنيه. وأكدت الحيثيات أن المتهمين اتفقا على ارتكاب الواقعة حال خلود حرس المحكمة للنوم ولتردد المتهم الثالث خشية قتلهما بمعرفة حرس النيابة إذا تم ضبطهما فكرا في خطة بديلة هي أن يقوم المتهم الثاني باستدراج حرس النيابة بدعوتهما على العشاء، على أن يقوم المتهم الثالث بدخول مبنى النيابة عن طريق شباك دورة المياه بالدور الأرضي وبحوزته عتلة حديدية لكسر أبواب الحجرات الموصدة وزجاجتين من مادة البنزين، وتوجهاً سوياً قبل الحادث لمعاينة مبنى النيابة وتحديد مكان الدخول والخروج من المبنى. وأشارت الحيثيات إلى أن المتهمين استقرا على خطتهما باعتبار أن نافذة دورة المياه بالدور الأرضي خلف المبنى لا يوجد بها عقارات مسكونة وأن يدلف منها المتهم الثالث بعد كسرها بالعتلة التي أحضرها معه من الفيوم ثم يصعد حيث مكتب رئيس النيابة ويكسر بابه بذات العتلة ويأخذ جهاز تسجيل الكاميرات، ثم يصعد إلى الدور الرابع الموجود به مخزن الأحراز، ويحطم بابه ويستولي على الأحراز الثمينة من هواتف محمولة ومشغولات ذهبية ثم يقوم بإضرام النيران في مخزن الأحراز بأكمله. وأضافت الحيثيات أنه قبل يوم من الحادث هاتف المتهم الثاني، المتهم الثالث وتواعدا على اللقاء بشقة المتهم الثاني المواجهة لمبنى نيابة الهرم يوم الجمعة والتقيا، حيث اتفقا وقد حمل المتهم الثالث معه عتلة حديدية أحضرها معه من بلدته وزوده المتهم الثاني بزجاجتين من سائل البنزين بداخل حقيبة لاب توب، وتوجه الأخير لاستدراج حرس النيابة بينما كان المتهم الثالث يراقب الحالة من شرفة مسكن المتهم الثاني المطلة على مبنى النيابة، وعقب استدراج المتهم الثاني للمتهم الرابع والمجند محمود سعيد على بدعوتهما على وجبة العشاء بأحد المطاعم بمدينة السادس من أكتوبر تبادل المتهمين الاتصال الهاتفي لتنفيذ جريمتهما. وأكدت الحيثيات أن المتهم الثالث غادر المسكن وبحوزته العتلة الحديدية وزجاجتي البنزين ودلف إلى مبنى النيابة من شباك دورة المياه الخلفي، وتوجه إلى مكتب رئيس النيابة وكسر باب الغرفة واستولى على جهاز تسجيل كاميرات المراقبة ولعدم اتساع حقيبة اللاب توب له حمله وصعد إلى حيث مخزن الأحراز، وحطم بابه بالعتلة الحديدية فلم يجد شيئاً ثميناً يمكن سرقته فألقى بداخله جهاز تسجيل الكاميرات وسكب سائل البنزين بداخل غرفة الأحراز وأضرم فيها النيران فأتت على جميع الأحراز المودعة بالغرفة ثم غادر المبنى. وأنه بضبط المتهمين أقرا بمحضر الضبط بارتكاب الواقعة، كما اعترفا تفصيلاً في تحقيقات النيابة العامة بأنهما خططا ونفذا جريمة حرق مبنى نيابة الهرم بقصد سرقة الأحراز. وأضافت الحيثيات، أن المحكمة عدلت عن تلك الاعترافات لعدم اطمئنانها إلى صدقه واستقامته فيما أدلى به من أقوال تتناقض مع اعترافه بجلسة تحقيق 1 يونيو 2016 وترى أنه أدخل الكذب على روايته الأولى، وأراد بعدوله إثارة الشك والريبة لدى سلطتي التحقيق والمحاكمة، ومن ثم فإن المحكمة تلتفت عن هذا الدفع وتعول على اعتراف المتهم في تحقيقات النيابة العامة بتلك الجلسة كدليل عليه وعلى المتهمين الآخرين ناصر أبو الوفا عبد الشفيع ومحمد سلطان ناجي. وتابعت المحكمة، أن ذلك الأمر الذي لا مراء فيه أن المتهم موظفاً عاماً – مساعد شرطة بهيئة الشرطة المدنية – وأنه من قوة إدارة ترحيلات أكتوبر المنوط بها تأمين وحراسة مقر نيابة الهرم الجزئية، وقد أوكلت إلى المتهم تأمين وحراسة مقر النيابة المذكور وسلحته بسلاح ناري وذخائره، وخصصت له غرفة بمقر النيابة لتسهيل عمله وقضاء حوائجه فما كان له أن يغادر مقر حراسته دون إخطار إدارة الترحيلات لتتخذ شئونها نحو تعيين بديلاً له. وأكدت المحكمة في حيثياتها أنه لا يستريح وجدانها لأقوال المتهم الثاني عادل بلال محمد أحمد في شأن دور المتهم الماثل في الواقعة، من أنه حرضه على ارتكاب الجريمة محل الدعوى، إذ أن هذا القول قد جاء مرسلاً لا دليل معتبر عليه ولا تأبه به المحكمة فقد أدخل الكذب على روايته الأولى بإقحام المتهم الماثل في آتون الاتهام لإثارة الشك والريبة لدى سلطتي التحقيق والمحاكمة، فضلاً عما اكتنف هذا العدول من ظلال كثيفة من الشكوك والريب. وأضافت الحيثيات: إنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول علي تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً بذاته أو قرينة بعينها علي ثبوت التهمة – ولا ينال من سلامة ما انتهت إليه المحكمة اطمئنانها إلي التحريات بالنسبة للمتهمين الذين قضي بإدانتهم واطراحها بالنسبة للمتهم الماثل علي محمد أبو الحسب لعدم اطمئنانها إليها ، لما هو مقرر من أن تقدير الأدلة بالنسبة إلي كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها. وشددت المحكمة على أنه كان من البديهي أن الاتهام بالجريمة ليس قرين ثبوتها، ولا يعدل التدليل عليها، وكان الاتهام ولو قام علي أسباب ترجح معها إدانة المتهم عن الجريمة، لا يزيد عن مجرد شبهة لم تفصل فيها محكمة الموضوع بقضاء جازم لا رجعة فيه سواء بإثباتها أو نفيها ؛ وكان افتراض البراءة لا يقتصر علي الحالة التي يوجد الشخص فيها عند ميلاده ،بل يمتد إلي مراحل حياته حتي نهايتها، ليقارن الأفعال التي يأتيها، فلا ينفصل عنها باتهام جنائي أياً كان وزن الأدلة التي يؤسس عليها. وأكدت المحكمة أن افتراض البراءة كان يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها ، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وكان هذا الأصل كامناً في كل فرد سواء أكان مشتبهاً فيه أم متهماً باعتباره قاعدة جوهرية أقرتها الشرائع جميعها – لا لتكفل بموجبها الحماية للمذنبين – ولكن – لتحقق بموجبها أصلاً شرعياً مؤداه أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة التي يتعين درؤها عن كل فرد تكون التهمة الموجهة إليه مشكوكاً فيها أو مبناها أدلة لا يجوز قبولها عقلاً أو قانوناً ، وكان الإتهام الجنائي – علي نحو ما سلف – لا يزحزح أصل البراءة ولا ينقض محتواه ، بل يظل هذا الأصل مهيمناً علي الدعوي الجنائية ، بل قائماً قبل تحريكها ومنبسطاً علي امتداد مراحلها وأياً كان زمن الفصل فيه.