هي أوقاتٌ عصيبة بلا شك تلك التي يمر بها قادة الاتحاد الأوروبي؛ إذ إنه من المنتظر أن تبدأ عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد في الشهر المقبل. توجد تحديات مستمرة لهؤلاء القادة، بالرغم من عدم انتهائهم من جميع المشكلات، مثل قضية الديون اليونانية. والآن توشك المنظمة التي كانت تشهد توسعاً مطرداً منذ خمسينات القرن الماضي، توشك الآن على الانكماش، بحسب تقرير نشرته النسخة الإسبانية من شبكة . وقد كانت هناك أوقات انكماش في الماضي قبل خروج بريطانيا، إذ كانت المرة الأولى في عام 1962 عندما استقلت الجزائر عن فرنسا معلنة انتهاء عصر الاستعمار. وكذلك في عام 1985 بعد إجراء استفتاء شعبي بسبب النزاع على حقوق الصيد في غرينلاند، الذي أدى في النهاية إلى خروج غرينلاند مما كان يعرف بالجماعة الاقتصادية، التي كانت قبل تشكيل الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد انضمام المقاطعة عام 1973 كجزء من مملكة الدنمارك. لكن أياً من هذه الأحداث لم يسبب هذه الهزّة العميقة، التي تسبب فيها انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسينعكس تأثير الأمر على المستوى السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والقانوني والرياضي. وبالرغم من هذا، فإن التأثير الجغرافي لهذا النوع من الأحداث عادةً هو الأقل وضوحاً. مثلاً، يوشك الشعب الألماني على فقد المركز الجغرافي للاتحاد الأوروبي، فيما يوشك شعب آخر على اكتساب هذا الموقع، والمركز الجغرافي لأوروبا هو موقع مُختلف في تحديد مكانه بسبب الاختلاف في طريقة القياس، وكذلك في تحديد حدود للقارة الأوروبية وأقصى نقاطها شرقاً وغرباً.البحث عن المركز الجغرافي ولحساب مركز القارة الأوروبية -وليس الاتحاد الأوروبي- يجب أخذ مساحة الأرض الكاملة للقارة. ولكن على الرغم من هذا فإن عملية القياس ليست سهلة؛ هناك عدة أسئلة يجب طرحها أولاً: هل حقاً روسيا البيضاء جزء من أوروبا؟ وماذا عن الجزء الأوروبي من روسيا، وكذلك غرب تركيا؟ هناك أيضاً مسألة الجزر الخارجية وأقاليم ما وراء البحار، فليس من المستبعد إضافة تاهيتي ورينيون وغويانا الفرنسية ضمن أقاليم ما وراء البحار الفرنسية. لذلك فإن موقع نقطة المركز للقارة يعتمد على القواعد المعتمدة مسبقاً من قبل الاتحاد الأوروبي. هذه التعقيدات ليست جديدة، فقد واجه جميع رسامي الخرائط مشاكل مماثلة على مر التاريخ. في عام 1775، استطاع عالم الفلك البولندي شيمون أنتوني سوبيكرايسكي حساب مركز أوروبا الجغرافي وتحديده في قرية تسمى سوخوفولا، بالقرب من بياليستوك شمال شرقي بولندا الحديثة. قد يكون الأمر محض صدفة، لكن العالم استطاع تحديد المركز في المملكة التي تدفع راتبه، مستثنياً الجزر الأوروبية.المركز في ليتوانيا! صورة لخريطة الاتحاد الأوروبي قبل قرار خروج بريطانيا منه بعد عدة سنوات، أضيفت المزيد من الأراضي بواسطة معهد الجغرافيا الوطنية الفرنسي، وأُعيد تحديد نقطة المركز بالقرب من بورنوسكيس في ليتوانيا، حيث أقامت الحكومة نصباً تذكارياً اعتزازاً بهذا الحدث. هناك بالتأكيد بعض التعقيدات الأخرى في تحديد المركز الجغرافي، على سبيل المثال حذف الدول التي تشكل عائقاً جغرافياً لكونها لا تشكل جزءاً من الاتحاد الأوروبي مثل سويسرا، ومن ثم وضع بعض السياسات. توسع الاتحاد الأوروبي منذ إنشائه بموجب معاهدة روما عام 1957، وجاء هذا التوسع في عدة خطوات كانت بدايتها في صورة الجماعة الاقتصادية الأوروبية، التي بدأت بدورها في صورة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب بموجب معاهدة باريس عام 1951. وتعتبر الجماعة أول منظمة تستند إلى مبادئ أعلى من مبادئ القوميات، كان وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان أول من اقترح تأسيس الجماعة، في 9 مايو/أيار 1950، باعتبارها وسيلة لمنع اندلاع حرب جديدة بين فرنسا وألمانيا، حيث أعلن أن هدفها: جعل الحرب مستحيلة مادياً. لذا تعتبر المنظمة البداية الحقيقية للاتحاد الأوروبي في صورته الحالية. مع كل تغيير تتم إعادة صياغة وتشكيل الخريطة، لذا كانت النتيجة خريطة ديناميكية تعكس التعديلات التي طرأت على الاتحاد منذ إنشائه. في خمسينات القرن العشرين، على سبيل المثال، كان الاتحاد الأوروبي عبارة عن مجموعة من ستة بلدان، ولم تكن ألمانيا الشرقية جزءاً منه قبل اتحاد الألمانيتين، حينذاك تم حساب المركز الجغرافي على الحدود الفرنسية السويسرية في وادي دوبس، على مشارف المدينة القديمة من بيسانكون. مع توسع الاتحاد الأوروبي، بدأ المركز بالتحرك، في البداية كان في أوفيرني في فرنسا، لينتقل لاحقاً بالتدريج إلى ألمانيا عقب نهاية الحرب الباردة. من 2004 إلى 2007 ، كان مركز الاتحاد الأوروبي (من 25 عضوا) هو مدينة كلايماشيد في ألمانيا. وكانت المرة الأخيرة لتحرك المركز قبل أربعة أعوام، عندما انضمت كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2013. ونظراً لأن انضمامها لم يُضف مساحة أرضية كبيرة، كان التأثير ببساطة أن انتقلت نقطة المركز قليلاً باتجاه الجنوب الشرقي إلى قرية ألمانية في بافاريا تسمى ويسترنغروند. أظهر السكان المحليون سعادتهم الكبيرة بسبب هذا القرار، كما أنشأت البلدية حديقة صغيرة في حقل على مشارف القرية، ووضعت بها الأعلام، وكانت هناك أوعية تحتوي على بعض من التربة الخاصة بكل بلد، أُضيف إليها ببعض من تربة العضو الجديد، كرواتيا. ليس من الغريب أن هذه القرية تحولت إلى مزار سياحي، حتى إن أحد التوقيعات في دفتر زوار القرية كان باللغة الصينية.قرية هادئة قرية ويسترنغروند مثل الكثير من الأوروبيين، أثار خروج المملكة المتحدة الحزن والارتباك لدى سكان ويسترنغروند (مركز الاتحاد الأوروبي الجغرافي)، الذين اعتبروا الأمر "نية سيئة" من أكبر الكيانات التي شكلت هذا الاتحاد، الذي يمثل بدوره أحد أهم محركات السلام والازدهار في التاريخ. عند خروج المملكة المتحدة ستتحدد نقطة المركز في قرية أسفل الخريطة قليلاً، تدعى جادهايم بألمانيا، وهي قرية ريفية هادئة، وحتى الآن ليس بها ما يدل على استعداد أهلها للتدفق السياحي عليها، على كلٍّ لديهم بعض الوقت للاستعداد. سوف يستغرق الأمر عامين كاملين لإكمال المرحلة الرسمية الأولى من خروج بريطانيا، ولا أحد يعلم كم ستستغرق المفاوضات التجارية فيما بعد. وخلال تلك الفترة تستطيع جادهايم الاحتفاظ بمكانتها كمركز جغرافي لأوروبا حتى يغادر أو ينضم عضو جديد. بالرغم من أنه بعد صدمة خروج المملكة المتحدة وتعقيدات الإجراءات اللازمة، لا يوجد ما يدل على رغبة عضو آخر بالتوجه نحو باب الخروج، كما لا يوجد ما يدل على انضمام الدول المحتملة مثل أوكرانيا وتركيا والبوسنة في وقت قريب. لذلك، إذا قرر دافعو الضرائب في جادهايم بناء حديقة ووضع الأعلام وإنشاء سجل للزوار، فسيتمكنون من استخدام هذه الأشياء لعدة سنوات. -هذا الموضوع مترجم عن النسخة الإسبانية لشبكة BBC البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط .