فتحت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد أبواب التكهنات السياسية على مصراعيها؛ وفاجأت المختصين بالشؤون السياسية وشؤون المنطقة قبل العامة. عاشت العلاقات العراقية السعودية فترة طويلة من الاضطراب؛ وعلى الرغم من محاولات التهدئة وترميم العلاقات من الجانب السعودي تحقيقًا للمصالح القومية العربية وأمن المنطقة واستقرارها؛ استمرت الحكومات العراقية في تنفيذ الأجندة الإيرانية المناهضة للتقارب العربي بشكل عام؛ والعلاقات السعودية العراقية الجيدة، بشكل خاص. يبدو أن المتغيرات الدولية المتوقع حدوثها كنتيجة مباشرة لتغير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؛ وإيران على وجه الخصوص؛ قد تعيد أوضاع المنطقة والخيارات المتاحة أمام بعض الدول وثيقة الصلة بإيران. على الجانب الآخر؛ أعاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ترتيب علاقات الدول العربية والإسلامية على أسس من الشراكات النوعية؛ وسعى منذ توليه الحكم إلى جمع الكلمة وإزالة الخلافات والعمل على بناء تحالفات قوية ومثمرة قادرة على تحقيق أمن واستقرار المنطقة؛ وبما يقود نحو تحقيق التنمية ورفاهية الشعوب. شدد الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها خلال زيارته ماليزيا؛ على أن «المملكة العربية السعودية تقف بكل إمكاناتها وراء القضايا الإسلامية عمومًا» ما يؤكد حرصه على تنقية الأجواء ومعالجة المشكلات القائمة لما فيه مصلحة الدول العربية والإسلامية. مبادرة الوزير عادل الجبير؛ التي أتت ضمن استراتيجية المملكة الهادفة إلى لم الصف ومعالجة المشكلات القائمة؛ ستمهد لبناء جسر التفاهم السياسي القائم على قواعد الاقتصاد وإعادة الإعمار والعودة إلى المجتمع الدولي بشموليته؛ والمنظومة العربية التي باتت أكثر حاجة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والأمنية. لم يكسب العراق من النظام الإيراني؛ خلال العقدين الماضيين إلا الدمار والخوف والتبعية المطلقة؛ والإنسلاخ الكلي من محيطه العربي، والخليجي على وجه الخصوص. لم تقطع المملكة روابطها مع الشعب العراقي بجميع طوائفه؛ برغم اضطراب علاقاتها مع النظام؛ ما أتاح لها قاعدة شعبية قادرة على التأثير الإيجابي في الداخل؛ وهو تأثير لا يمكن أن يستغل إلا لخير العراق ومصلحته؛ بخلاف ما تفعله إيران مع اتباعها الذين تسببوا في أحداث فوضى أمنية غير مسبوقة؛ وانهيار تنموي واقتصادي؛ وتبعية مطلقة للسياسات الإيرانية. برغم الثروات النفطية؛ عجزت الحكومات المتعاقبة؛ عن النهوض بالعراق واقتصاده ومعالجة مشكلاته التنموية. تقديم الحكومة الأمريكية العراق على طبق من ذهب لإيران تسبب في انهيار مؤسساته واقتصاده وتناحر شعبه. لعبت إيران على وتر الطائفية؛ واستغلت المالكي لتحقيق أهدافها القذرة؛ وما زالت تقاتل من أجل استمرار الوضع القائم على ما هو عليه. استمرار العراق في مستنقع إيران الآسن يعني انتشار حالة الفوضى والإرهاب والدمار في المنطقة؛ وتهديد دول الخليج واستقرارها السياسي والأمني والاقتصادي؛ وفتح جبهات قتال جديدة. إمكانية تغير السياسة الدولية تجاه المنطقة أعطى المملكة فرصة لإعادة بناء جسر العلاقات العربية؛ ومحاولة انتشال العراق ومساعدته على النهوض من جديد. إعادة إعمار العراق يحتاج دائمًا لجسر التنمية السعودي؛ كما هو حال الوضع الأمني ومواجهة الإرهاب الذي نشرته إيران في المنطقة. لا تخلو فكرة انتشال العراق من مستنقع إيران من الغرابة؛ بسبب استحالة الموقف وتغلغل الحرس الثوري الإيراني في مفاصل المؤسسات العراقية والمجتمع. غير أن التدهور التنموي والانهيار الاقتصادي ومشكلات الفقر وبؤس المعيشة ستفرض على الحكومة العراقية البحث عن جسر العبور نحو إعادة الإعمار وبناء الدولة؛ وهو الجسر الذي يمكن لدول الخليج وفي مقدمها السعودية تشييده لمصلحة العراق والعراقيين والمنطقة بشكل عام. الحديث عن فتح المعابر الحدودية يعني الكثير للعراق؛ ما يسمح بتدفق السلع والبضائع ورفع التبادل التجاري الذي تحتاج إلى الأسواق العراقية بشكل كبير؛ كما يعني توطيد العلاقة مع دول الجوار والارتقاء بها إلى فضاء أرحب. ملف الإرهاب أحد أهم الملفات المشتركة؛ حيث لا يمكن التقدم فيه دون تجفيف منابع تمويله ومكافحة داعميه؛ وأعني النظام الإيراني وعملائه في الداخل. قدم الوزير عادل الجبير رسالة السلام والتنمية في زيارته لبغداد؛ ويبقى الأمر مرتهنًا بردود أفعال النظام العراقي الذي بات مخيرًا بين تقدمه نحو هاوية إيران المحرقة؛ أو ركوبه جسر السلام والتنمية السعودي.