البهائيون في العالم يحتفلون بأيام الهاء سلام الشماع عمان – تشهد هذه الأيام احتفالات للبهائيين في جميع أنحاء العالم، بدأت يوم السبت الماضي وتستمر حتى الثلاثاء المقبل، يسمونها “أيام الهاء”، أو “أيام العطاء”. وهذه الأيام، سميت بأيام الهاء، كما يوضح السيد عرفان روحي، البهائي الأردني، لأن حرف الهاء في حساب الجمّل يساوي (5)، وهي الأيام الخمسة التي تسبق شهر العلاء، الذي هو شهر الصيام والذي يبدأ من يوم 1 مارس حتى 19 منه، لينتهي بأفراح عيد النوروز. يقول روحي: إن للبهائيين تقويماً شمسياً جديداً وللسنة البهائية تسعة عشر شهراً ولكل شهر تسعة عشر يوماً. أما الأيام الأربعة (في السنة البسيطة) أو الخمسة (في السنة الكبيسة) اللازمة لإكمال السنة إلى 365 يوم، فتسمى (أيام الهاء) ولا تحسب ضمن أشهر السنة، بل تقع قبل الشهر الأخير (شهر الصيام ، وهذه الأيام يفرح فيها البهائيون ويستعدون لشهر العلاء، فيبذلون الطعام لهم ولأقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم وللفقراء والمحتاجين والمرضى، وإسعاد المحزونين من الناس، لكي يصوموا وقد تخففوا من واجباتهم تجاه الفقراء واستعدوا روحانياً للصيام، ليعقب شهر الصيام عيد النوروز. يضيف: سميت الأشهر البهائية ببعض الصفات الإلهية، وهي شهور البهاء، الجلال، الجمال، العظمة، النور، الرحمة، الكلمات، الكمال، الأسماء، العزة، المشيئة، العلم، القدرة، القول، المسائل، الشرف، السلطان، الملك، وشهر العلاء، إذ تبدأ السنة البهائية يوم الإعتدال الربيعي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (عادة يوم 21 مارس)، وهو أحد الأعياد البهائية ويسمى يوم النوروز، حيث يبدأ التقويم البهائي في سنة 1844م/ 1260هـ ويسمى (تقويم البديع) ومجموع الأيام المقدسة البهائية (بين الاعياد وأيام التذكر) هو تسعة أيام لا يجوز فيها العمل إلا عند الضرورة). في الأردن أقامت العائلات البهائية ومنها عائلة روحي في عمان حفل عشاء باذخ دعت إليه جيرانها، وإن لم يكونوا على ديانتهم نفسها، تعبيراً عن الاندماج والتسامح المجتمعي والتعايش الديني، وعلى أصوات الموسيقى الهادئة تليت فقرات تخص أيام الهاء من الكتاب الديني الذي يقدسه البهائيون، فانبعث صوت أحد الحاضرين ليتلو مما يسمونه (الأقدس المستطاب): (باسمه الحاكم على ما كان ويكون “واجعلوا الأيام الزائدة عن الشهور قبل شهر الصيام إنا جعلناها مظاهر الهاء بين الليالي والأيام. لذا ما تحددت بحدود السنة والشهور. ينبغي لأهل الهاء أن يطعموا فيها أنفسهم وذوي القربى ثم الفقراء والمساكين، ويهللنّ ويكبّرنّ ويسبّحنّ ويمجّدنّ ربّهم بالفرح والانبساط”). وتلا آخرون فقرات أخرى لينهض الجميع بعدها إلى مائدة الطعام، لتبدأ بعدها فعاليات ثقافية يعتمدون على الأطفال في تقديمها، فيسأل هؤلاء الأطفال أسئلة يجيب عنها الكبار في إطار مسابقة جميلة، ثم يقدم كل واحد فعالية يستطيعها لإضفاء السرور والمرح على الحفلة. ويقيم البهائيون للأطفال، في هذه الأيام، احتفالات خاصة تحدث عنها جواد جلال المغربي، الذي عاش في العراق في خمسينات القرن الماضي وافتتح فيها أشهر الصيدليات، ومنها الصيدلية الإسلامية في ساحة الأمين قرب جسر الشهداء، فيقول: “إن هذه الاحتفالات يشترك فيها أطفال الأحياء التي يعيش فيها البهائيون، بهائيين وغير بهائيين، فجميع احتفالاتنا مفتوحة لجميع الأفراد من مختلف الديانات والأعراق والأجناس لحضورها، إذ أمر حضرة عبد البهاء أن تعقد في أيام الهاء اجتماعات بكلّ محبّة وسرور وابتهاج وتتزيّن فيها مجالس عامّة ويكون الجميع فيها زمرة واحدة، فتتجسّد في الأبصار وحدة الأمّة وألفتها واتّحادها”. يضيف أن احتفالات الأطفال تبدأ بتقديم افطار شهي وصحي ويستمتعون، بعدها، بالاحاديث الجانبية الشيقة مع بعضهم بعضاً، مما يساعد على زيادة الالفة والمحبة بين الجميع، ويعقب ذلك برنامج الاحتفال، إذ يفتتح بقراءة قصة للأطفال عن أيام الهاء، ثم يعرض للمواهب حيث يقدم من يشاء من الأطفال اغنية او عزفاً منفرداً.. الخ، وتلي ذلك اغاني وموسيقى وفقرات من الأدعية الإلهية والمناجاة البهائية، تدعو للمحبة والاتحاد بين البشر والتحلي بالقيم الاخلاقية والفضائل، يشترك الجميع في غنائها مما يعطى رونقاً وطابعا مميزاً لها حيث تتجلى معانيها الروحانية وتسطع انوارها الربانية على قلوب الحاضرين المختلفين ظاهرياً المتحدين باطنياً فى حبهم لله تعالى. ويشير المغربي إلى أن الأطفال يلفون، بعد هذه الفعاليات، هدايا ويصممون بطاقات معايدة لانفسهم وأخرى لإهدائها لأقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم، تتميز بالبساطة والجمال مثل شتلات من الزهور يزرعها الاطفال بأنفسهم فى اكواب وتزينها الاشرطة والورق الملون والخرز، مما يغرس في الاطفال حب الجمال ورعاية النباتات والمحافظة على البيئة، ليتعلموا من خلال ذلك، أن قيمة الهدية الحقيقية هى المحبة التي تقدم بها وليس ثمنها او شكلها! كما يرسم لهم طريقة الاحتفال بالاعياد البهائية وهى ألا تكون مجرد احتفالات مادية او طقوسية مجردة من المعنى ، بل يجب ان تكون تعبيراً عن حبهم لله، وبهجة وفرحة بخدمة الآخرين ورعايتهم مما يعود عليهم بالسعادة الحقيقية الدائمة. يعتقد البهائيون أن العلاقة الروحية التعبدية بين الشخص وبارئه، لا بد أن تتم ترجمتها كل يوم، من خلال أعمال الفرد وعلاقاته بأفراد مجتمعه. وهو ما يسمونه (الهدف المزدوج للحياة)، والذي يحث على التطور الفردي من جانبٍ ومساهمة الفرد في تطور المجتمع من حوله من جانبٍ آخرٍ. يقول بسام الحلبي، وهو بهائي أردني: بهذه النظرة يشارك البهائيون الأردنيون، في الحوارات الإيجابيّة والبنّاءة السّائدة في مجتمعهم، ويقدّمون بصائرهم حول سبل الوصول إلى رؤية جماعيّة موحّدة نحو مجتمع مزدهر روحانيًّا وماديًّا. ويعقدون جلسات الدّعاء، تلبية للتّوق الدّفين في أعماق كلّ قلب للوصال مع خالقه، ويدعون الأصدقاء والجيران الى احتفالاتهم وجلساتهم والتي لا يعدّونها أمراً خاصاً بالبهائيين، وهم يولون اهتماماً بالشباب، لما لهم من أثر ايجابي بناء عندما تتم مساعدتهم على تنمية قدراتهم ومعرفة قراءة مجتمعهم وواقعهم، وفي تحليل قوى البناء والهدم التي تعمل في المجتمع وفي تعزيز الوعي بأفكارهم وأفعالهم، ممّا يشحذ بصيرتهم الروحانيّة، ويعزّز انتماءهم للوطن، ويعرّفهم بالمواطنة الصالحة، ويقوّي لديهم الأسس والمبادئ الأخلاقيّة التي توجّه مسلكهم فيستفيدون منها طوال حياتهم. وتلتقط الحديث تهاني روحي حلمي، وهي إعلامية وناشطة في مجال حوارات الأديان لتقول: “لا بد من التركيز على الشباب في رفع الوعي لديهم بأسس الحوار مع الآخر، وعدم اقصائه، وتجنب خطاب الكراهية المؤدي الى العنف، خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت تضج بالفوضى في مجال الحوارات. والتركيز من خلال عقد ورش تدريبية لهم، ومن خلال توعيتهم بترسيخ ثقافة الحوار، وتعزيز مفهوم قبول الآخر لديهم، بما يسمح بإشاعة أجواء التسامح والاعتدال بعيداً عن التعصب”. وتحاضر روحي في ورشات عمل تستهدف نبذ الإرهاب والعنف وبناء مجتمعات يسودها السلام والاستقرار، وهي تعد ذلك جزءاً مهماً من تعبدها.