في ذاكرتي الكثير من الحكايات حول الامتحانات، صور ووجوه وأصوات، أتذكرها الآن بمنتهى الحب والامتنان والفرح أيضاً لأنها أصبحت جزءاً من الماضي. في امتحانات المرحلة الثانوية، وهي مرحلة أخرى جديدة من الإحساس بالمسؤولية، غالباً ماكنت أشعر بالملل من الوضع التقليدي الذي نحن فيه، لذا أحاول الخروج منه، في البدء أكون متوترة، قلقة إلى حد ما، حالماً أقرأ الأسئلة وأطمئن أنني قادرة على حلها حتى أدخل في حالة من الابتهاج والسعادة، أتأمل ماحولي ومن حولي وأبتسم، كررت ذلك أكثر من مرة لكنني ندمت عليه فيما بعد سواء وقت الامتحان أو فيما بعد حين أصبح الامتحان ذكرى أتأملها وأقرؤها في خيالي وحسب. ذلك اليوم كنت في الثانوية، ربما في السنة الأولى، بعد توزيع الأوراق وقراءة الأسئلة من قبل المدرّسة والتزام كل منا في مقعده، كنت أنا بينهن، وأنا أعشق الصمت والتأمل منذ طفولتي، كانت المراقبة تجلس في مقعد بجانب باب الفصل تماماً وتركز نظراتها هنا وهناك، كلما رفعت رأسي وجدت عيني المراقبة تجاهي مباشرة، تزعجني هذه النظرات الحادة فأبتسم لها، عندها تنظر بارتياب، تتجهم قليلاً وتحرص ألا تبادلني ابتسامتي، وكأني بها في أعماقها تقاوم وتطوف في رأسها الشكوك لابد أن هذه الابتسامة رشوة أرشو بها تركيزها علي وكأنما أقول لها ارفعي نظراتك عني قليلاً، افهميني أفسحي الطريق لي أود أن آخذ معلومة ممن حولي أو أستلم معلومة، عندها تترك الطالبات جميعاً وتركز علي أنا بالذات، ماذا فعلت يافتاة هاهي تشحذ همتها جميعاً تجاهك؟! كنت سعيدة جداً بسبب استيعابي لجميع الأسئلة وثقتي التامة بأني قادرة على الإجابة عليها جميعاً، لكنني وضعت نفسي في موقع ريبة لم أقصدها، فقد جاءت هكذا عفواً، وما أكد لي ذلك حقاً أنني سمعتها تقول بصوت منخفض وأنا أخرج من باب القاعة «ياستي مع السلامة».. كأنما تقول الحمدلله لقد أتعبتني ابتسامتك ووضعتني في أجواء من الترقب لك وحدك، يالسعادتي بخروجك وارتياحي، وقتها لم أستطع الرد عليها، الموقف لايمكن شرحه ببضع كلمات ولاوقت للشرح فنحن في ساعة امتحان ولديها مهمة لابد لها من إنجازها، ثم إني لا أعرفها وإلا لسعيت للقائها فيما بعد لتوضيح الأمر لها. مضت الحادثة وقد بقي الموقف معي زمناً، كلما استعدته آلمني شعوري بنظراتها الظالمة تجاهي وقد كنتُ السبب، كلما تذكرت تلك الأجواء في مراحل مختلفة من مسيرة حياتي أقول لنفسي «لك الله يا امرأة لابد من نسيان!».