×
محافظة الرياض

برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين .. مجلس الوزراء يؤكد أهمية جولة خادم الحرمين لتنمية وتعزيز العلاقات

صورة الخبر

لكنه خلال فترة الدعاية لم يُظهر أنه مرشح مدافع عن الديمقراطية، ومؤمن بالحرية، ومهتم بحقوق الإنسان، ودعاة الحرية في العالم يعتقدون بأن تلك القيم يجب أن تتوفر في أي مرشح رئاسي لهذا البلد، حتى لو كان من المرشحين الهامشيين من خارج الحزبين الرئيسيين "الجمهوري والديمقراطي"، وذلك تأسيسا على كون أمريكا هى قائدة العالم الحر، وأهم ديمقراطية في العالم اليوم، وبفضل ديمقراطيتها لم ينهار نموذجها، مثلما انهار نموذج الاتحاد السوفيتي عام 1991 القائم على حكم الرفيق، وديكتاتورية الحزب الأوحد. سيكون انقلابا علنيا من غير أدوات عسكرية معروفة أن يأتي رئيس للقوة العظمى لديه بوادر استبداد، أو لا يحترم الديمقراطية وقيمها في بلد يحتضن تمثال الحرية الأشهر، ويتفاخر برمزيته، وبدون تلك القيم فإن أمريكا تصير مثل روسيا، أو الصين، أو كوريا الشمالية، أو أي بلد عربي، أو أفريقي، يقبع في صحارى الحكم السلطوي، ولذلك كان رسام المجلة الألمانية "دير شبيغل" مبدعا، عندما احتلت رسم له غلاف العدد، وهو يصور ترمب بعد قطع رأس تمثال الحرية، وينظر بغضب، والدماء تقطر من الرأس، وهو ممسك بها في يد، والسكين مخضبة بالدماء في اليد الأخرى، مشهد داعشي بامتياز، قياسا على قطع التنظيم للرؤوس البشرية أمام الكاميرات. وبعد أن فاز ترمب، وأيا كانت درجة المفاجأة في ذلك، فإنه ومن مسار شهر كامل في السلطة، لم يقدم إشارات تدل على أنه سيكون على مستوى قلعة الديمقراطية التي يترأسها، أو سيكون مشغولا بقضايا الحريات والحقوق، ولو في حدها الأدنى، خارج بلاده، كما أن الدائرة المحيطة به في إدارته تشكل تجمعا صقوريا متطرفا تكشف عن أفكارها العنصرية، وعقيدتها المتطرفة، وتمد الأيادي للديكتاتوريات لتأسيس تحالفات معها طالما تحقق أجندة الإدارة.منطق الصفقات لم أرصد كلمة واحدة تقريبا على لسان ترمب المرشح، ثم الرئيس، بشأن الدفاع عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في العالم، ولا حتى من قبيل ذر الرماد في العيون التي تتطلع دوما إلى ماوراء الأطلسي ليصدر ما يطمئن إلى أن قوة كبرى فاعلة يمكن أن تردع المستبدين الذين يسلبون الإنسان كرامته في بلادهم، بل أخذ يقدم وجها آخر لبلاده يجعلها منعزلة عن العالم، وتهتم بنفسها فقط، ولا يعنيها مايدور خارجها، إلا ما يتعلق بتنفيذ أهدافه الانتخابية، والأدهى أن يكون المستبدون هم نموذج إعجابه، ومجال اهتمامه، وهم من يتعاون معهم، بماذا إذن يختلف عن بوتين، أو كيم جونج أون في كوريا الشمالية، أو عن قادة الصين، وإيران، أو الحكام في الشرق الأوسط وأفريقيا. الرئيس الذي جاء من مراكز التجارة والمال والأعمال، يبدو أنه لا يعنيه كثيرا في الحكم والإدارة والسياسة غير منطق الصفقات والربح والخسارة فقط، ولأنه لم يأت من مراكز السياسة والأحزاب والعمل العام والاحتكاك بالجمهور داخل بلاده، وإدراك تطلعات كثير من الحالمين بالانعتاق من الطغيان خارج حدود بلاده، لذلك هو غير منشغل بمثل هذه القضايا الإنسانية، ولا بالدور الذي يجب أن تقوم به أمريكا في هذا المجال. نفهم أن الولايات المتحدة لا تمسك سيفا تحارب به الديكتاتوريات، ولا تسقطها عن عروشها، ولا تجعل الأرض تميد تحت أقدامها، ولم يثبت أنها كانت حامية للديمقراطية في حالة تضرر مصالحها، هى تتدخل فقط إذا كان في ذلك مصلحة مؤكدة لها، وتصمت إذا كان بقاء الديكتاتور يحقق أهدافها في بلاده، وفي محيطه الجغرافي، وخريطة العالم غير الحر في الجنوب الجغرافي للكرة الأرضية تشهد على أن أمريكا خذلت كثيرا من الحالمين بأن تكون مخلصة للقيم التي تتغنى بها في الديمقراطية، لكن هناك دوما أمل في دور ما لها، ولو كان محدودا، في أن تجعل الأنظمة التي تأخذ شعوبها رهينة لجبروتها تخفف من وطأة قبضتها وتسلطها بما لها من نفوذ على كثير من بلدان العالم.  أوباما أفضل ترمب حالة جديدة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين خلال العقود الأخيرة، حيث تغيب قضية الديمقراطية عنه، ولا يلقي لها بالا، أوباما الضعيف كان أفضل، وله دور في تشجيع التحول الديمقراطي في ميانمار مثلا، وفي تمكين الرؤساء المنتخبين في تولي الحكم في عدد من بلدان أفريقيا منهم جامبيا مؤخرا، وتفاعل مع الربيع العربي رغم أنه  خذل الشعب السوري، وجورج بوش الابن أثار مخاوف المستبدين في الشرق الأوسط، وبعضهم قاطع الحج السنوي للبيت الأبيض حتى لا يتم تذكيره بأوضاع حقوق الإنسان في بلاده، لكن فشله في العراق قضى على فكرة نشر الديمقراطية كعلاج لمكافحة الإرهاب الذي ضرب بلاده في 2001. مراسيم وقرارات ترمب منذ يوم 20 يناير الماضي حيث تقلد الحكم رسميا، تسير عكس ما يجب أن تكون عليه أمريكا كبلد للحريات، لكن المطمئن في مسألة حماية الديمقراطية من مغامرات قادة قد يصلون للحكم في ظروف معينة أن هناك ثلاثة أطراف تدافع عنها، وهى تثبت فعاليتها، وتقطع الطريق على أي مغامر، أو متطرف قد يحرف مسارها. الشعب، ومؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات الحكم الرسمية، هذا المثلث هو حائط الصد والمواجهة، بل والهجوم المضاد لنهج الرئيس وإدارته، الشعب يكشف عن النضج والوعي في أن بلاده نالت قيمتها من كون أن كل فرد فيها قادر على أن يفعل ما يريد طالما لا يخرق الدستور ولا القانون، وأن كل فرد من حقه الدفاع عمن يعتبره مظلوما، أو أن حقوقه تتعرض للانتهاك داخل أمريكا أو خارجها، شعب حي، لم يستسلم لـ ترمب، ولم يخشَه، بل خرج للشارع ومنذ إعلان فوزه يبعث له برسالة أولى، وهى أننا لن نسمح لك بأن تنفذ ما تريد، وبما يضر بالأوضاع الاجتماعية، وبتركيبة المجتمع على تنوعها الشديد، وبأن جزءًا من قوة أمريكا وجاذبيتها هو انفتاحها على العالم، وليس عزلتها وانغلاقها، وأنها ستظل أرض الأحلام، حتى ولو نراجعت الفرص ، فهي لن تفقد سمتها وعنوانها الأشهر لدى الحالمين في العالم، ولقد استُؤنفت المظاهرات يوم تنصيبه، لتذكيره بأن الشعب يراقب ويحاسب، وتواصلت الاحتجاجات مع إصداره مرسوما يضر بالحرية ويفرض حظرا على دخول مواطني سبع دول لأرض الأحلام. وبجانب الشعب، هناك المجتمع المدني، من منظمات وجمعيات وقوى ضغط في مختلف المجالات، وهى كثيرة جدا، ومتنوعة جدا، ومؤثرة، ومعها وسائل الإعلام وهى قوة لا يستهان بها، وقد هبت تلك المنظومة ضد نزوع ترمب لرسم صورة لبلادهم تقترب من صورة روسيا، أو أي بلد يُدار بحكم فردي، وحققت مع الإعلام نجاحا سريعا في تعطيل توجهات ذات وجه عنصري ضد الجاليات، وفي دفع مستشار الأمن القومي مايكل فلين للاستقالة لاتصالاته مع دبلوماسيين روس مما شكل ضربة لإدارة تتعثر في التشكل وتضربها الفوضى وتسيطر عليها الانتكاسات القضائية والسياسية.والمؤسسات الرسمية أيضا ومن الأدوات الشعبية والمدنية الرقابية ذات التأثير الواضح، المؤسسات الرسمية التي يأتي دورها عندما يتم اللجوء إليها واستدعاؤها للإنقاذ، وتمثل ذلك في عدة أوجه، تململ دبلوماسي في وزارة الخارجية، وتقديم استقالات جماعية احتجاجا على مرسوم ترمب، ورفض وزيرة العدل بالوكالة إصدار أوامر تنفيذية لتنفيذ مرسوم الهجرة، ضحت بمنصبها مقابل أن تحفظ للمؤسسات صورتها القانونية والديمقراطية والإنسانية، ثم قامت ولايات بالطعن في قانونية المرسوم، وتوج القضاء التحركات السريعة بقرار سريع بوقف العمل بالمرسوم حتى يتم البت في مدى دستوريته، القضاء أحد أعمدة الديمقراطية وحمايتها، وقف بالمرصاد دفاعا عنها وضد انتهاك الدستور والقانون، وقد استسلم ترمب، وتوقف عن مواصلة استئناف قضية المرسوم لأنه تيقن من خسارتها، أما المؤسسة التشريعية فهى تراقب، وتخرج أصوات منها ناقدة للإجراءات الرئاسية التنفيذية، ومن حزب الرئيس نفسه. وإذا كانت الإدارة وهى جزء من منظومة الحكم والمؤسسات الرسمية، وهى الجانب التنفيذي، لكن المؤسسة التنفيذية كلها بما فيها الأجهزة الأمنية، ليست مسيرة لخدمة أهداف الرئيس، رغم أنه يقف على قمتها، فهناك مؤسسات وأجنحة فيها تناوئه، وتقاوم التشدد المسيطر على رجال إدارته لصيانة قيم أمريكا، وحفظ صورتها عالميا. هذه الصورة وفي غضون وقت قصير منذ إصدار المرسوم وحتى إيقافه، ثم الصورة الأوسع منذ انتخابه وحتى اليوم من رسائل احتجاجية على نهجه وتفكيره ورؤيته للسياسة والحكم، وتعديل مساراته شيئا فشيئا في ملفات روسيا، والناتو، والعلاقة مع الحلفاء في أوربا وآسيا، تقدم دلالة مهمة على الديمقراطية  كيف تنبت ، وكيف تترعرع، وكيف يشتد عودها، ثم يصير هذا العود صلبا، ثم يكون عصيا على الانكسار، بحيث لو جاء هتلري جديد ليطيح بها، وينشئ حالة فاشية جديدة، فإن ذلك سيكون صعبا، بل مستحيلا، هذه أمريكا تثبت ذلك اليوم مع حالة ترمب الجديدة عليها، ومما لم تعايشه مع رؤساء سابقين، إنها بناء ديمقراطي تاريخي مستدام وعميق ارتفع طوبة بعد أخرى حتى صار حائط صد منيع ضد معاول الهدم. وعندما تغيب مصدات حماية الديمقراطية من أطرافها الثلاثة": شعب حريص عليها، ومؤسسات مدنية مؤمنة بها، ومؤسسات رسمية ترى مصلحة الدولة فيها، فإن الحاكم حتى لو جاء بكل آليات الديمقراطية، ومنها الانتخابات الحرة والنزيهة، فإنه من السهل جدا أن يصير طاغية دون أن يحرك أحد ساكنا.