×
محافظة المنطقة الشرقية

خادم الحرمين الشريفين يُشرف حفل جامعة مالايا بمناسبة منحه درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب

صورة الخبر

قفل باب الاجتهاد ضرورة ملحة، لأن الاجتهاد طيلة القرون الأخيرة هو إعادة إنتاج بنفس الأدوات، فما يريده هذا العصر ليس إعادة الاجتهاد في الشرح والهامش، بل (إعادة القراءة للنص) كما أن الحداثة في الوطن العربي استلزمت المفاصلة مع التراث والتي استثمرها الإسلاميون ضد بعض الحداثيين، فإن ما بعد الحداثة سيضطر حتى الإسلاميين إلى مفاصلة مع التراث لا بإقصائه ولا بالاجتهاد فيه، بل بإعادة قراءته من جديد، لنرى الاجتهاد التقليدي وقد تحول إلى منتج فقهي بارد لا يقبله الزمن القادم، بقدر حاجته إلى (إعادة قراءة) بأدوات جديدة لم يألفها الفقهاء التقليديون من قبل، وهذا ما نلمح خيوطه الأولى في اشتغالات الجيل الجديد بالمناهج الفلسفية الحديثة التي لم يطلع عليها لا ابن تيمية ولا ابن رشد، وليس لها علاقة بتهافت الفلاسفة للغزالي، فالقضايا غير القضايا، والمناهج غير المناهج، حتى الفلسفة الأرسطية ومنها (المنطق الأرسطي) الذي افتتح به ابن قدامة كتابه في أصول الفقه (روضة الناظر وجنة المناظر)، أصبحت ضمن (تاريخ) الفلسفة، مقارنة بالفلسفة الحديثة، وعليه قس حجم التغيير في إعادة قراءة أصول الفقه خارج دائرة المنطق الأرسطي التأسيسية لهذا العلم. طبعاً قفل باب الاجتهاد ضرورة ملحة بعكس ما يظن الكثيرون، لأن الاجتهاد طيلة القرون الأخيرة هو إعادة إنتاج بنفس الأدوات، فما حاجتنا إلى (هوامش تتناسل من بعضها بنفس الأدوات حول المتن)، فما يريده هذا العصر ليس إعادة الاجتهاد في الشرح والهامش، بل (إعادة القراءة للنص)، وإعادة القراءة تستلزم النظر العقلي بلا مسبقات سوى أدوات النظر الحديثة، دون تأملات الأولين وأدواتهم التي تعنيهم، فعندما ألف علماء الأصول في القرون الخمسة الأولى التالية للقرنين الأول والثاني للهجرة كانت أدواتهم تفوق أدوات القرن الأول الهجري البسيطة التي لا تعرف ما يعرفه سيبويه نهاية القرن الثاني، فكيف بعلم الألسنيات الحديث عدا ما عداها من فروع الإنثربولوجيا، وعليه فالتواضع المعرفي أمام المناهج الحديثة يثري المدارس الإسلامية ولا ينفيها. عندما تستمع مثلاً لبعض مشايخ الصحوة وقد تغيرت أفكارهم على المستوى الاجتماعي، تكتشف الأثر الذي تركه استغراقهم في قراءة كتب بسيطة عن تطوير الذات التي تتناسب ومعطياتهم التي يحتاجونها كديماغوجيين، فكيف لو قرؤوا في كتب الفلسفة الحديثة لفلاسفة العصر الحديث عبر الترجمات الرزينة لفلاسفة ألمانيا وفرنسا وغيرهما من فلاسفة أوروبا كما كان يقرأ الأوروبيون في عصورهم الأولى ترجمات كتب ابن رشد التي تجاوزت فهمهم الكنسي التقليدي آنذاك للفلسفة اليونانية، وكم هو التغيير الذي يحدث في ما هو أعمق من السطحية التي يعيشها الشيوخ الدكاترة الذين تضلعوا بكتب ديل كارنيجي وأهمها (دع القلق وابدأ الحياة)، ثم كتبوا على نسقه حذو القذة بالقذة مع إضافة بعض الآيات والأحاديث، كأنما أعادوا ما ألفوه في اجتهادهم التراثي في شرح المتون ثم شرح الشرح وهكذا لتصل إلى شرح شرح الشرح!!. الجيل الشاب الجديد بدأ يتفوق على الشيوخ، بل على بعض الأنتلجنسيا الكلاسيكية المتكلسة عندنا، والتي توقفت على صراع الثمانينات دون محاولة تطوير أدواتها، بدلا من الوقوف على الأطلال واجترار طواحين الهواء بين دونكيشوتات اليمين واليسار. الجيل الجديد أصبح يفكر باستقلالية وينظر بكلتا عينيه لرموز التيارات يمينا ويسارا، ويمارس النقد الغض الذي لم يشتد عوده بعد -وليس النقد الهش- مستقلا عن هذا وذاك، ولكن هذا النقد سيقوى عوده يوماً ما، فهل نحن مستعدون للصوت الأعلى القادم للنقد الراشد الذي سيطالب باستحقاقاته في المستقبل؟ إنها قضية وطن مع جيل قادم لم يتربّ فكريا وفق وثيقة تعليم طبخها الإخوان، ثم سقوها لنا عقوداً، بل تربوا على سايبر مفتوح ينقل ندوة علمية تناقش الحرية كمفهوم ثقافي، خارج مألوفنا القديم الذي يناقش تحريم عباءة الكتف وقيادة المرأة للسيارة، وكتاباً يتم تحميله بضغطة زر دون استئذان الرقيب عن ضرورة فصل السلطات لنصبح (مواطنين لا رعايا)، وكنا نضرب له أكباد الطائرات لنشتريه من عواصم الثقافة العربية، فمنا من يقرؤه ويتركه، ومنا من يتجرأ على تهريبه، جيل جديد لمن ينشأ إعلامياً في أحضان القناة الأولى والثانية، ولا أحضان الإم بي سي، أو المجد، بل أصبح له قناته الخاصة ومنبره الخاص وصوته العالي الخاص، مما يثير الغيرة في قلوب كثير من المشاهير (فنانين ومطاوعة وإعلاميين وأكاديميين... الخ، أما السياسي فيده على قلبه وهو يستذكر كلمة جمال مبارك عن شباب وسائل التواصل (دول شوية عيال).