فى ظل الخلافات الإيرانية الأخيرة ضد تركيا، يتحسب البعض من احتمالية تطورها إلى حرب فعلية بين البلدين. وحيث إن تركيا لن تبدأ بالحرب ضد إيران إطلاقاً، إلا في حالة الدفاع عن النفس فقط، فإن المخاوف الحقيقية أن تحاول بعض الجهات الإقليمية أو الدولية توريط إيران في حرب ضد تركيا، أو أن تقوم أطراف إيرانية داخلية متهورة بتوريط إيران بحرب مع تركيا، مثل غلاة قادة الحرس الثوري، الذين يطمعون أن يكون الظرف التاريخي المعاصر مواتياً لهم لنشر ثورتهم خارج إيران. فالسلوك الإيراني في السنوات الخمس الأخيرة هو سلوك عدواني ضد العديد من الدول العربية والخليجية، التي تقوم في هذه الأيام بتوثيق علاقاتها السياسية وتحالفاتها العسكرية مع تركيا؛ كما جرى في الأسبوع الماضي حيث أجرت الحكومة التركية اتصالات أمنية مهمة مع أربع دول خليجية؛ هي السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. المحور الرئيس لهذه الاتصالات بعد المحور الاقتصادي هو المحور الأمني والعسكري، بسبب الأخطار التي تهدد منطقة الخليج العربي من جانب الجمهورية الإيرانية وحرسها الثوري؛ الذي يتحكم بالدولة الإيرانية وبجيشها واستخباراتها ومجالسها التشريعية والقضائية والسياسية. إن العلاقات التركية الإيرانية هي علاقات أخوة وتعاون بين دولتين إسلاميتين، تربطهما حدود وعلاقات جيوسياسية مهمة، والحكومات التركية على الدوام سعت إلى علاقات اقتصادية قوية مع إيران، ولم تسُؤ العلاقات بينهما إلا بسبب السياسة الطائفية للحكومات الإيرانية المعاصرة، وبالأخص عندما دعمت إيران الأطراف السياسة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، لأسباب طائفية فقط. فإيران عملت على صناعة محور سياسي وعسكري وطائفي في المنطقة، أدى إلى توتير الأوضاع وزعزعة استقرار دول المنطقة، وقتلت ملايين المسلمين في هذه الدول منذ خمس سنوات، وهذا ليس في مصلحة إيران ولا الدول العربية والإسلامية في المنطقة. والسبب أن إيران أساءت قراءة الأحداث التي تبعت ما أطلق عليه ردات فعل الربيع العربي، وما أطلق عليه من قبل أمريكا “الفوضى الخلاقة”، التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عام 2006، فإيران ظنَّت أن الظروف مواتية لها للتمدد السياسي تحت مساعدة التيارات السياسية والعسكرية الشيعية في المنطقة. وقد غر إيران السكوت الأمريكي، أو الضوء الأخضر الأمريكي لنشر مليشياتها في المنطقة، وربما كان ذلك ضمن تفاهمات الاتفاق النووي الإيراني مع جون كيري، ولكنها الآن للأسف تحصد سلبيات ذلك؛ لأن إيران لا تستطيع- ولن تستطيع- حكم شعوب المنطقة إطلاقاً، ومهما قتلت منها. لذلك فإن تركيا تريد علاقات صداقة صادقة مع إيران، وضمن علاقات دولية صحيحة، إذا تعذرت إقامتها على أساس أخوي، وليس على أسس طائفية، ولا بتدخل في شؤون الغير، وإلا تحولت العلاقات إلى ما لا تحمد عقباه. وما دام أن السبب الحقيقي لتردي العلاقات التركية مع إيران في الآونة الاخيرة هو التدخل الإيراني في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي دول الخليج؛ لجعلها دولاً ضعيفة وتابعة لولاية الفقيه الإيراني في قم وطهران، فإن على إيران تصحيح سياستها إذا أرادت تحسين علاقاتها مع تركيا ومع السعودية وغيرها من الدول العربية والخليجية. لكن ايران- للأسف- تواصل منهجية التفكير الطائفي الذي يضر بالدول الإسلامية قبل غيرها، ومن ضمنها إيران نفسها، وهذا السبب لا تستطيع إيران تكذيبه؛ فهو أوضح من الشمس، فكل الألوية التي يعقدها الحرس الثوري الإيراني في هذه الدول تحمل الأسماء الطائفية أولاً، ولا تقتل إلا من أبناء المسلمين السُّنَّة ثانياً. كما أن العلاقات المشبوهة بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم “داعش” لا تخفى على المتابعين لمسيرة معارك داعش في سوريا والعراق، كما أن الدور الأوروبي والأمريكي الذي شجع إيران على هذا السلوك العدواني في المنطقة مدرك للباحثين، وأهدافه معلومة لأمريكيا وأوروبا وإسرائيل أيضاً، فلماذا قبلت إيران أن تورط نفسها أداة بيد المشاريع الصليبية والصهيونية؟ فهذا لن يحقق لها إمبراطورية فارسية طائفية إطلاقاً. إن السيناريوهات المستقبلية للعلاقات التركية الإيرانية تعتمد على السلوك الإيراني في المستقبل، فإيران حتى الآن لم تستفد من تنبيهات مؤتمر القمة لمنظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في إسطنبول في منتصف شهر أبريل/ نيسان 2016، فقد ندد في بيانه الختامي بالسياسة التي تنتهجها الدولة الإيرانية القائمة على التدخل في شؤون الدول العربية ونشر الطائفية فيها، وطالبتها بالتوقف عن هذه السياسة العدوانية، فالعلاقات المستقبلية بين البلدين ستقوم على حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. محاولات إيران دعم المليشيات الحزبية التي تستهدف الأمن القومي التركي للخطر هو ضد تحسين العلاقات، ولا يمكن إخفاء أن إيران من خلال حرسها الثوري قدمت الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، ولحزب العمال الكردستاني في العراق، وهما حزبان يستهدفان الأمن التركي بالتفجيرات الإرهابية، وإضافة لذلك فالإعلام الإيراني الرسمي لا يتوقف عن الإساءة إلى القيادة السياسية في تركيا وحزب العدالة والتنمية، ويقف إلى جانب المشككين بالدور التركي في المنطقة. هذا يعني أن القيادة السياسية الإيرانية تضع تركيا في خانة الأعداء، وإلا لغيرت سياستها الإعلامية على الأقل، وتغيير السياسة الإعلامية الإيرانية نحو تركيا يعني أن إيران غلَّبت المصالح الأخوية والاقتصادية على العوامل الأيديولوجية الطائفية الضيقة، وهو ما تأمله تركيا. إن الاختلاف التركي مع إيران ليس صراعاً على النفوذ في البلاد العربية أو الشرق الأوسط، وإنما بضرورة وضع حد للسياسة الإيرانية العدوانية في البلاد العربية والخليج، كما أن سياستها في سوريا هي سياسة تضر بالأمن القومي التركي والعربي، فهي تعمل لتحويل سوريا إلى دولة شيعية، وهذا مرفوض تركيّاً وعربياً وإسلامياً؟ وذهاب روحاني إلى سلطنة عمان وزيارته للكويت لتوسل المصالحة مع السعودية لن يكون مقبولاً إﻻ بسحب إيران مليشياتها من سوريا، ووقف الدعم الإجرامي للحوثيين في اليمن. محاوﻻت إيران إرهاب السعودية بضربها أكثر من مرة بصواريخ باليستية، بأيدي الحوثيين أو بأيدي خبراء عسكريين إيرانيين موجودين في اليمن، لن يرهب السعودية، وﻻ شعب الخليج، وتركيا لن تسمح بتهديد إيران لدول الخليج، وسوف تفعل كل ما تستطيعه لحماية بلاد الحرمين من التهديد الفارسي الطائفي. كذلك فإن تركيا بوصفها رئيسة الدورة الثالثة عشرة لقمة التعاون الإسلامي لن تقبل باستغلال إيران للاجئين الأفغان لديها بزجهم في حروب مهلكة في سوريا وغيرها، فإيران تخدع الشيعة الأفغان الذين لجؤوا إليها فتعِدُهم مقابل القتال في سوريا مدة سنتين، بالجنسية الإيرانية، والمسكن، والمساعدات المالية، لكنها تزج بهم في مقدمة المعارك وهم غير مؤهلين للقتال، فتدريبهم ضعيف ومن ثم لا يعود منهم أحد، فهذا استغلال مرفوض، ومثله استغلال الشيعة العرب في حروب مهلكة، فهل هناك من يقبل هذا اﻻستغلال؟ محمد زاهد جول الخليج اون لاين