نيك باتلر| ستة أسابيع مرّت على دخول اتفاق حصص دول «أوبك» الجديدة حيز التنفيذ، وهو وقت كافٍ للحكم على ما يجري على أساس من الحقائق، وليس المضاربة. الأسئلة الرئيسية هي: أولاً ـــ ما إذا كانت القيود على الإنتاج، التي جرى الاتفاق عليها في نوفمبر الماضي نجحت، وتحقق المراد منها أم لا؟ وثانياً ـــ ما إذا كان يمكن أن يستمر النظام الذي دخل حيز التنفيذ في بداية يناير حتى يونيو، كما هو مخطط له؟ استقرت أسعار النفط بشكل ملحوظ عند حوالي 54 دولاراً ــــ 56 دولاراً لبرميل خام برنت؛ أي أعلى بنحو %15 مما كانت عليه قبل اتفاق نوفمبر، لكنها لا تتعدى نصف ما وصلت إليه قبل ثلاث سنوات. إذاً، هل سترتفع الأسعار أكثر أم أن المستوى الحالي يمثل السقف؟ دعونا نبدأ مع الحقائق. هناك ثلاثة أشياء واضحة. معظم الخفض المستهدف يجري الالتزام به وتحقيقه، لكن الاستجابة تجرى على أساس كل دولة على حدة ولا يزال بعيدا عن كونه موحدا. ثلاث دول، وهي: الجزائر وفنزويلا، والعراق، لم تخفض الإنتاج أو خفّضته بنسبة أقل من الذي وعدت به. أما خارج «أوبك»، فإن الوضع في روسيا مشوّش. جرى خفض بعض الإنتاج، لكن التقارير الأخيرة تشير إلى زيادة في الإنتاج والصادرات، وخاصة من منطقة الأورال. معظم الدول الأخرى أوفت بحصصها بينما ذهبت السعودية إلى أبعد من ذلك بخفضها الإنتاج إلى أقل من 9.8 ملايين برميل يوميا، ما يقرب من 300 ألف برميل دون الحصة المتفق عليها. ومن دون ذلك، لم يكن بالإمكان تحقيق الخفض المستهدف. وهذا ما يفسر حركة السعر، تحوّل مؤقت نحو الصعود، لكنه بعيد عن مستوى 70 دولاراً، الذي تنبأ به البعض. إذاً، ماذا عن الطريق إلى الأمام؟ التوقّعات القائمة على مقياس أو سعر محدد هي بلا قيمة. أفضل طريقة للتعامل مع السؤال هي من خلال النظر إلى الضغوط في كلا الاتجاهين، والإشارات التي تنبغي مراقبتها. الأولى هي حال سوق النفط العالمية. على جانب الطلب، الاحتمال هو حول نمو متواضع، مع الدفعة القوية التي تقدمها طفرة الاستثمار في البنية التحتية التي يجري إعدادها من قبل إدارة ترامب في الولايات المتحدة. خطط دونالد ترامب لتشجيع تطوير النفط والغاز الجديدة ستستغرق وقتا لتؤتي ثمارها. وعلى المدى القصير، فإن الزيادة ستكون مدفوعة بالأسعار. إدارة معلومات الطاقة، وهي مصدر موثوق في الولايات المتحدة، تتنبّأ بزيادة، قدرها 100 ألف برميل يوميا هذا العام، و550 ألف برميل يوميا في عام 2018. بعض المعلّقين يتوقعون نموّاً أسرع في إنتاج الولايات المتحدة، يصل إلى 500 ألف برميل يوميا بحلول نهاية عام 2017. وحتى يتحقق ذلك، فسوف تعتمد الولايات المتحدة على الواردات، كما هو واضح في بيانات يناير. لا تزال أوروبا محاصرة بركود فرضته على نفسها، بينما نمو الطلب الصيني على النفط في عام 2016 لم يتجاوز %2.5. العوامل التي تنبغي مراقبتها خلال الأشهر القليلة المقبلة هي إنتاج الولايات المتحدة، الذي قد يرتفع إذا تحرّكت الشركات المنتجة للنفط الصخري بسرعة، كما تجب مراقبة الطلب الصيني. القضية الرئيسية التالية التي من شأنها التأثير في الأسعار هي سلوك الأعضاء الآخرين في «أوبك» والأصدقاء المفترضين، مثل روسيا. من الواضح أنه لا يوجد سبب لتوقع أن تلتزم فجأة بالاتفاق أي من تلك الدول التي فشلت حتى الآن في تحقيق المطلوب منها. السعودية، بعد كل شيء، استوعبت وتحمّلت الفرق في التخفيضات. ولو كنت وزير النفط في العراق ونيجيريا وليبيا وإيران فربما تعتقد أنها يمكن أن تستوعب وتتحمل المزيد. هناك ضغوط قوية للحصول على عائدات إضافية في كل دولة من الدول الأعضاء في «أوبك» وروسيا. كما أن هناك ــ أيضاً ــ ضغوطا قوية لزيادة حصص الإنتاج في دول، مثل إيران والعراق وليبيا، وجميعها في مرحلة تعافٍ من المشاكل السابقة التي تسبّبت في انخفاض الإنتاج إلى ما دون المستويات العادية. مسألة رفع حصص الإنتاج ستكون على رأس جدول أعمال اجتماع «أوبك» في نهاية الربيع عندما يجري ربما تمديد الاتفاق الذي تُوصِّل إليه في يناير 2017 لمدة ستة أشهر أخرى. جمع هذه العوامل معا يشير إلى توقّعات بنمو متواضع في الطلب وبعض النمو المحدود في العرض، وربما انخفاض طفيف في مستويات المخزونات العالمية. الإجماع الحالي هو الذي يفرز السعر الحالي البالغ نحو 55 دولاراً. وحتى الآن، الأمر منطقي جدا. ونأتي بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية. مرة أخرى، نبدأ مع الحقائق. أولاً ــــ جرى التخلي عن الاستراتيجية التي اعتمدتها السعودية في عام 2014 لمصلحة استقرار الأسعار. وليس من الواضح ما إذا كان هذا التغيير هو نتيجة لضغط من المنتجين الآخرين الذين يواجهون صعوبات مالية شديدة أم نتيجة لقرار سياسي بتبنّي سياسة تقليدية أكثر. مهما كان السبب، فإن الأدلة من الأشهر الثلاثة الماضية تشير إلى أن السعوديين سيقومون بكل ما يلزم للحفاظ على استقرار الأسعار. ثانياً ـــ الإجراءات السعودية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى في تشكيل السوق. وهي التي تتحمل العبء وضغط تحقيق التوازن في سوق النفط. الاستنتاج من هذا هو أن الأسعار يمكن أن تبقى تقريبا حيث هي، شرط أن تقبل السعودية بحقيقة أنها الآن المنتج البديل. ذلك القبول هو عدم اليقين البالغ الأهمية. «المنتج البديل» هو الوصف الذي لطالما كرهته الرياض، وقد صمّمت السياسة التي انتهجت عام 2014 بشكل واضح لتحويل عبء تحقيق التوازن في السوق إلى الآخرين في حين تحافظ السعودية على حصتها في السوق. مشاهدة الآخرين، بما في ذلك صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، وهم يزيدون الإنتاج في حين تخفّض السعودية، لم يكن أمرا منطقيا بالنسبة إلى السعوديين. وإذا ما قررت السعودية عدم تمديد اتفاق خفض الإنتاج فان الأسعار سوف تنخفض بشكل حاد. على الجانب الآخر، هناك الحسابات الاقتصادية. من حسن حظ البنوك في العالم، تمضي السعودية قدما في عملية بيع حصة في شركة أرامكو. ولم يتم بعد حسم شكل العملية، إذ قد تكون الصفقة عملية طرح مفتوحة لنسبة %5 أو أكثر، أو صفقة مغلقة مع عدد قليل من الشركاء العالميين. كما أنه من غير الواضح أيضا حجم المبلغ الذي سيجمع، الذي من شأنه أن ينخفض كثيرا إذا انهارت أسعار النفط. ولتجنّب ذلك، يبدو كما لو أن السعودية سوف تضطر إلى إجراء مزيد من الخفض في الإنتاج ولفترة أطول بكثير مما كان مقررا. لكونها المنتج البديل هو دور لا تحسد عليه في السوق التي تشهد فائضاً في المعروض في الأساس.