عندما تستذكي على ولدك المراهق معنفاً: «شايفني هندي أو بنجالي؟!!» فلا تستغرب منه في المستقبل أن ينشأ ذليلاً مهاناً لصاحب الجاه والمال والمكانة الاجتماعية، لأنك منذ التأسيس قد أفسدت في صميمه قيمة إنسانية عليا تتعلق باحترام الفرد وقيمة الإنسان مهما كان؛ غنياً أو فقيراً، بائساً، أو مقتدراً، مغترباً أو عزيزاً في قومه... عندما تسمح لابنك بالترويج للنكت التي تسخر من كبار السن، أو تسمعها منه دون أن تردعه بأن من غير اللائق أن يكون مجرد تقدم الإنسان في السن، وعجزه صحياً وبدنياً بعد حياة حافلة بالعطاء والقوة والإنتاجية، سبباً لجعله مادة للتندر والسخرية، فلا تطالبه في المستقبل أن يحترمك أو يتحمل عجزك، أو تستبعد أن يكون في هيكل جسمك المترنح، وبصرك الطفيف، وذاكرتك المثقوبة، ونـــزقك الدائم، موضوعاً للتندر وقت الضجر... عندما تصف مُعلم ابنك في المدرسة بأنه غبي لا يفقه شيئاً، أو تهدد أمامه بشكواه للمدير، حتى وإن كان المعلم غبياً متعسفاً يستحق الشكوى فعلاً، لكن حديثك على هذا النحو أمام ابنك، لا يمس معلماً بعينه فحسب، بل المعلم كقيمة ومصدر للمعرفة، فلا تطالبه في المستقبل أن يحترم التعليم أو يقدّر مكانة كل صاحب علم ومعرفة... عندما يكون يومك بالكامل متخماً بالنقد والشتيمة والضجر والاشمئزاز من كل مؤسسة ونظام وخدمات وشارع وإشارة.. تناقش كل ذلك مع الآخرين وعلى سفرة الطعام، وفي وجود أبنائك... أو تكتبها في تغريدات يتابعونها بحماس، فلا تتوقع من ابنك في المستقبل أن يحب وطنه ويشعر فعلياً بالانتماء إليه، أو لا يفكر بالهجرة منه إلى الأبد.. عندما تجاهر بالمعصية أمام ابنك؛ صلاة متروكة أو متأخرة، وانتهاك سافر لمحرمات الله، ونهش مشمئز لأعراض الناس في غيبتهم، فلا تطالبه في المستقبل أن يحترم فيك الأب الصالح المسؤول.. عندما تسخر أمام ابنك من عقل أخته بوصفها مخلوقاً أدنى من الذكر، وتمنحه صلاحيات مفتوحة في السلطة والتعسف على أخواته، فأنت تقتل في مستقبله قيمة «العدالة» و«الإنصاف» في أسمى معانيهما، وتشوه في داخله نموذج الزوج والشريك المحترم في زمن لم تعد الزوجات يرضين فيه بدور الجواري... عندما تنادي ولدك «يا حمار» أو «يا كلب» فلا تتوقع منه أن يكون أبلهاً إلى الحد الذي يتوقع فيه أن من أنجب الحمار حصان أصيل، أو من أنجب الكلب أسد مغوار!! عندما يراك ابنك لا تعتذر أو تشكر وقت الاعتذار والشكر، ولا تحافظ على نظافة الشارع والمكان، وتجد في الكذب والتملق والنفاق سلالم كهربائية للوصول إلى أعلى المراتب الوظيفية والاجتماعية، ولا تقدّر قيمة الأمن، والوطن، والمدخرات، والخدمات المتاحة بلا مقابل... فلا تشتكي من جيل جديد لا يعرف من المدنية والتحضر سوى التقنية واللغات...