اندلعت أعمال الشغب في ضواحي استوكهولم المليئة بالمهاجرين، وذلك حين بدأت وسائل الإعلام بالسخرية من تحذير ترامب الغامض بشأن المشاكل المرتبطة بالهجرة في السويد، فأدلى ترامب، خلال تجمّع ضمن إطار حملته قبل أيام، بتصريح غامض ينبئ بالسوء، حيث أعلن: "هل رأيتم ما يحدث في السويد الليلة الماضية؟". ماذا؟ هل اختلق الرئيس اعتداء إرهابياً لا وجود له؟ كما تبين، كان يشير إلى مقتطف شاهده الليلة السابقة عن السويد في برنامج Tucker Carlson Tonight على شبكة Fox News، لا إلى حدث محدد في هذه الدولة الاسكندنافية. اتخذت المناقشة التي نشأت طابع المناظرات في سنوات ترامب الأولى: رئيس أخرق في وجه وسائل إعلام متعجرفة ومستشرسة مع مشكلة حقيقية تعتمل تحت السطح. لا شك أن السويد، بترحيبها بعدد تاريخي من طالبي اللجوء مقارنة بعدد سكانها، انطلقت في تجربة اجتماعية واسعة لم تدرسها بتمعن ولا تسير كما هو مرجو، فقد سلطت الاضطرابات التي اندلعت في ضاحية استوكهولم رينكبي، بعدما نفذت الشرطة عملية اعتقال قبل ليلة، الضوء على مشاكل تنبع من تنامي موجة الهجرة في السويد. تفوق ميول السويد الإنسانية قدرتها على استيعاب الوافدين الجدد، لطالما رحبت السويد، التي تمتاز بمجتمعها الجاد والخير، بأعداد كبيرة من اللاجئين، ونتيجة لذلك كانت معدلات الهجرة مرتفعة في هذا البلد قبل بداية تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط إلى أوروبا، هذا التدفق الذي دفع بالسويد إلى تبني سياسة الحدود المفتوحة التي اعتمدتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. استقبلت السويد أكثر من 160 ألف طالب لجوء في عام 2015، منهم 40 ألفاً تقريباً في شهر أكتوبر من تلك السنة وحدها، وبالنسبة إلى بلد يقارب عدد سكانه العشرة ملايين نسمة، يمثل هذا نحو 2% من قاطنيه في سنة واحدة، وقد شكّل هذا التدفق ضعف عدد طالبي اللجوء في ذروة أزمة البلقان عام 1992. بلغت نسبة المولودين بجنسية أجنبية بين سكان السويد نحو 18% عام 2016، أي ضعف ما كانت عليه عام 1990. ومنذ عام 2015، أتى العدد الأكبر من هؤلاء المولودين بجنسية أجنبية من فنلندا، وهذا طبيعي بما أنه بلد اسكندنافي مجاور، يليه العراق وسورية. من المتوَقع أن تشكّل مساعدة أناس لا يعرفون اللغة، ولا يتمتعون بمهارات عالية، ويأتون من ثقافة مختلفة على الاندماج في المجتمع مهمة صعبة، ولم تسهّل السياسات الاقتصادية في السويد هذه المهمة. علاوة على ذلك يصعّب الحد الأدنى للأجور العالي وقيود حماية العمال المتشددة على العمال الهامشيين العثور على وظيفة، في حين أن المساعدات الاجتماعية لا تشجّع العاطلين عن العمل على السعي للعثور على عمل. لا يشكّل كل هذا وصفة سليمة للاندماج أو الهدوء الاجتماعي، ففي مقال في مجلة The Spectator، كتب الصحافي السويدي توف ليفندال: "ينشأ مجتمع موازٍ تتعرض فيه سيطرة الدولة على الاستقرار وحكم القانون للتحدي". بالإضافة إلى ذلك الكلفة المالية عالية، ويوضح الخبير الاقتصادي السويدي تينو سانانداي أن بلده أنفق 1.5% من إجمالي ناتجه المحلي على طالبي اللجوء، أي ما يفوق ما يخصصه لميزانية الدفاع، كذلك تنفق السويد ما يوازي ضعف كامل ميزانية اللجنة العليا للأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين حول العالم، ونظراً إلى الحاجة الملحة إلى مساكن، تخصص السويد مبالغ لإيواء 3 آلاف شخص في خيم تعادل ما تتطلبه الرعاية بنحو 100 ألف سوري في الأردن. لا عجب أن السويد، حيث كان من المحظور حتى وقت ليس ببعيد التشكيك في سياسة الحدود المفتوحة في مجال الهجرة، عمدت أخيراً إلى إقفال حدودها، إذ تشكّل السويد حالة استثنائية، ولكن من العبر الواضحة التي نستمدها من تجربتها الأخيرة هذه: لا تكرر هذه التجربة في وطنك. * ريتش لوري | Rich Lowry