×
محافظة مكة المكرمة

لجنة خماسية تبدأ في تطبيق الصكوك بمشروع التعليم

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي أثبتت الثورات بامتياز قدرتها على فرز فصائل قذرة تستخدم المبادئ والقيم في ما يصب في أهدافها الخاصة، عرضت شبكات التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بالإعلام الجديد أخيراً مقطعاً لشابين سعوديين يُعدَمان، وتنقل هذه الشبكات أنهما أُعدما على أيدي جماعة النصرة. بغض النظر عمن أعدمهما وأعدم غيرهما فإن ما يعنينا أن ثلة من السعوديين في زهرة الشباب يُدفَعون إلى تلك الساحات دفعاً بفتاوى وتحريض ديني من دعاة يجدون لهم الحظوة الكبيرة والثقة العالية لينساقوا إليها بأرواح تتوق إلى الشهادة وتذهب طلباً لها باستسلام كامل، فيما هؤلاء المشايخ والدعاة يرفلون في حلل النعيم، يلبَسون أنعم الثياب وأجملها ويتقلبون في رغد العيش بين نسائهم وأبنائهم، ومتى همّ أحد من ذويهم باللحاق بمواكب المجاهدين تتداعى هممهم وترتفع عقيرتهم طلباً لإعادتهم إليهم، وكأنّ الجهاد فريضة على من هم دونهم من عامة الناس، ثم متى جيء بسيرة الجهاد بكوا وتباكوا وفاضت أعينهم بالدموع، حزناً على واقع الأمة المؤلم، وتقاعس الناس عن الجهاد، ولم نرَ منهم أسداً واحداً يتمثل قوله عملاً ويلتحق بالمجاهدين في سورية وغيرها ويرينا كيف يُبلي البلاء الحسن في أرض الجهاد، فما بالهم يتغافلون عن قوله، سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). لن أحدثكم عن دعاة الجهاد القاعدين في أماكنهم بأمنة وسلام، ولكن ما لفتني فتوى لشيخ آخر يصر دائماً على أنه ليس منهم ويخالفهم الرأي، فيقول في مسائل الجهاد كلاماً كثيراً مثبتاً في موقع الكتروني، وهو يقعّد لمسائل الجهاد، عندما سُئل عن وجوب الذهاب إلى الجهاد في أفغانستان، رد قائلاً: «أما مسألة هل تجلس هنا أم تذهب إلى هناك. فأقول: يختلف الأمر: إن كان لك بلاء هنا كأن تكون داعية مفيداً هنا؛ فاجلس هنا، أما إن كان لك بلاء هناك -أنت متخصص في الأمور العسكرية- عندك خبرات قد لا توجد عند غيرك، فاذهب إلى هناك، أو كنت إنساناً داعية وليس لك هنا قيمة». ما يعني أنه هنا يضع مبرراً شرعياً لتخلّف المشايخ عن الجهاد، وبهذا يتمادى مشايخ المنابر في التحريض على الجهاد وهم قاعدون، بل تمادى بعضهم إلى استبطان الثورة الداخلية من خلال التحريض المباشر لكل الشعوب على أن تثور، وهو ما يوجِد أرضية جهادية ممتدة على أراضي العالم العربي أجمع، ففي حوار لأحدهم مع قناة «وصال» عام 2012 أسقط ما حدث للنظام السوري على جميع الأنظمة العربية، مشبهاً الشعوب بالأسود التي لا تتسول لقمة عيشها بل تنتزعها انتزاعاً، مطالباً بالخروج من دون استئذان ولي الأمر الذي لا يرى أنه مخول بإعطاء الإذن، ما دام ثمة نص يخضع له الجميع، بمعنى أن الأمر سيكون خارج حدود ولي الأمر. هذا التفريغ المعنوي لقيمة الجهاد من كونه نصرة لله ورفعاً لظلم الطغاة عن كاهل الشعوب، بشرط ألاّ يوقع مفسدة بيّنة في جسد الأمة ويفرقها ويجعلها طرائق قدداً لا تتجاوز حدود لقمة العيش، وهو ما يحيلنا إلى ثورات الجياع، لا إلى ثورات المبادئ والقيم، التي يقدّرها حكماء الأمة ممن يسبرون أغوار الأحداث، كي لا ينفلت الزمام ويسقط بأيدي الغوغاء والجهلة من الناس فيعيثوا في الأرض فساداً، يذبحون الناس كالشياه تحت مظلة دينية مزوّرة، لا تمتُّ إلى دين الإسلام الحقيقي بصلة، كما تفعل «داعش» والنصرة، وكما حدث قبل عقدين في أفغانستان، إذ قضى كثير من الشبان نحبهم نحراً أو رمياً بالرصاص. جسّد هذه المشهدية البائسة مقطع «يوتيوبي» انتشر أخيراً بين شبكات التواصل الاجتماعي، يُظهر ثلةً من النساء يلتحفن السواد، كُتب أسفلَ منه: «سعوديات يطالبن «داعش» باحتلال الرياض»، وبلغة ركيكة وأسلوب شعاراتي هشّ قدمن مطالباتهن المفجعة الفجة التي لا تنمُّ إلا عن فساد في العقيدة والتربية. في رأيكم، بماذا يمكن أن يصف المحرضون على الجهاد المزعوم هؤلاء النسوة؟ هل هن لبؤات الأسود اللاتي ينتزعن لقمة العيش انتزاعاً؟ طبعاً، لن يتحرك هؤلاء النسوة بمعزل عن إدارة عُليا لهن من الرجال، كما أنهن ومعهن فريق آخر لم يظهر إلى العلن يعملون سراً على تقويض أمن بلادنا بشتى الوسائل، فمن مرحلة السر بتكوين الخلايا إلى مرحلة العلن، وهنا مكمن الكارثة، فللمنظِّرين قوى خفية جوفاء، يمكن التلاعب بها وحقنها بكل المبادئ الحركية، ولاسيما بعد إدراج بعض الجماعات الإسلامية في قائمة المنظمات الإرهابية، وتجريم كل المنتمين إلى الأحزاب ذات الطابع الثوري أو الحركي. أمام هذه الديماغوجية الدينية لعرّابي الثورات العربية ووكلائهم في عالمنا الإسلامي لم يبق لنا سوى توخّي الحذر ومخالطة أبنائنا جيداً والسماع لهم بإنصات ومجادلتهم بالحسنى، فقد تُمرر هذه الأفكار إليهم في الصفوف المدرسية أو من مخالطة بعض المنتمين إلى بعض الجماعات المحظورة، فما كان يتحرك بالأمس علنا، هو اليوم يتخذ مسارب خفية، ويعيد صياغة «حركيّته» بأساليب مختلفة، قد تبدو أكثر مواءمة للواقع المفروض الجديد، فنحن أمام صمت مطبق لدعاة الجهاد، ولعل من الأجدى والأصح تنصيب منصة للمراجعات الفكرية والقيمية لكل أولئك العاملين في المجال الدعوي، وسن أحكام ضابطة لهم، فنحن أمام قضية أمن وطني لا يمكن أن يؤتى من الخارج ما لم يؤتَ من الدخل، وذاكرتنا مزحومة بالصور البشعة لجرائم الإرهابيين الذي ما كانوا ليقدِموا على ما أقدموا عليه لو لم يتأبطوا فتوى من شيخ، أو تحريضاً من داعية. سؤال أخير: ألم تفكر وزارة التربية والتعليم في تصميم برامج تأهيلية بعد كل هذه المعاناة التي قطعناها من تلوث فكري وفساد أخلاقي وتشويه لكثير من القيم الإسلامية السمحة؟     * كاتب وروائي سعودي.