يُعاتبني خَلقٌ كَثير؛ حِين أذكُر قصّة مِن قصَصي، وأَبْنِي عَليها المَقَال، وهَذا عَتبٌ وَجيه، إذَا أُخذ بهَذه البَسَاطَة، أمَّا إذَا تَمحّصنا الهَدف؛ ودَقَّقنا النَّظر، سنَجَد أنَّ العَتَب غَير وَجيه، ويَنقصه التَّدبُّر والتَّأمُّل..! تَعالوا نَأخذ الأمر ببسَاطَة.. مِن شرُوط النَّقد لأي مُؤسَّسة، أو مَدح أي وزَارة، أو انتِقَاد أي فِكرة، الإلمَام بالشّيء المُرَاد الكِتَابة عَنه، فمَثلاً لَو أَرَدتُ أنْ أكتُب عَن مَساوئ مَحلَّات البَنْشَر، أو العَجَلَاتي -كَمَا يُسمِّيها مَجلس الشّورى- لَابد أنْ أَكُون مُلمًّا بِهَا، وأنْ أَملُك تَجربة مَريرة مَع أصحَاب هَذه المَحلَّات..! مِثَالٌ آخَر: لَو أرَاد المَرء أنْ يَنتَقد أدَاء البريد السّعودي؛ لابد أنْ يَستَشهد بقصّة مَرّت عَليه؛ ويَملك الدّليل عَلى صحّتها، وإلَّا سيَكون نَقده خَالياً مِن المِصْدَاقيّة، مَنزوع التَّوثيق، وقَد تَنْقَلب الكِتَابة عَلى كَاتِبها، كَما يَنقَلب السِّحر عَلى السَّاحِر، حِينها سـتُوَدِّيه الكِتَابَة -كَما يَقولون- في ستّين دَاهية..! مِن هُنَا أقُول: إنَّ المُؤسَّسات لَدينا حَسَّاسة، والنَّاس أكثَر حَساسية، لذَلك لَيس لَديَّ أي أدلّة أو تَأكيد لفِكرتي؛ إلَّا مِن خِلَال الاستشهَاد بقصَصي أو حيوَانَاتي، فأنَا لَا أَمْلُك إلَّا نَفسي وحيوَانَاتي، ومِن هَذا المُنطلق أكتُب مَقالَاتي..! يَقول المُفسِّرون في أصُول التَّفسير: إنَّ العِبْرَة لَيست بخصُوصيّة سَبَب نزُول الآية، وإنَّما العِبْرَة بعمُوم لَفظها ودَلالة حُكمها، بمعنَى أنَّ الآية إذَا نَزَلَت في حُكم حَالَة؛ يُمكن أن تُطبَّق هَذه الحَالَة عَلى الحَالَات المُشَابهة، لذَلك كُلّ القصَص التي أَوردُهَا وأستَشهد بِهَا؛ لَيس القَصد مِنها خصُوصيّة الحَالَة، أو استعرَاض التَّجارب، وإنَّما هِي قصّة تَحْدُث لِي وللآلاف غَيري، أكتبُهَا لأَصِل مِن خِلالها إلَى الفِكرة؛ التي يَهدف المَقال إليهَا..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: يَا قَوم، تَأكَّدوا حِين يَكتب العرفج عَن انقطَاع الميَاه عَن مَنزله؛ فهو لَا يَقصد أنْ يَقول: إنَّ مَنزل أحمد العرفج بِلَا مَاء، وإنَّما يُريد أنْ يَقول: إنَّ آلَاف النَّاس ممّن يَسكنون في حَارة أحمد؛ هُم أُنَاسٌ يَسكنون في بيوت لَا ميَاه فِيها..!!! المدينة