النسخة: الورقية - دولي علاقة المؤلف بأبطــاله الدراميين تبدو في بعض الأحيان مأزومة، إذ تقوم على نرجسية المؤلف وحرصه على إحلال شخصيته وتوزيعها على الأدوار، أو على بعضها لتقول ما يرغب في قوله وما يعتقده. في حالات كهذه يبدو المؤلف الدرامي كمن «يستبد» بأبطاله ويحدد لهم أفكارهم، بل وحتى يقرر مصائرهم. صحيح أن «الحكاية» كلها من إبداعه ويحق له ما لا يحق لغيره، إلا أن هذا لا ينبغي أن يتحقق بشروط تعسفية تخالف «قواعد اللعبة» وقوانينها وشروطها الجمالية. المؤلف لا يملك في الدراما أن يفرض على شخصية ما منطقاً يجافي موقعها الاجتماعي وثقافتها وحتى البيئة التي تعيش فيها، وهو في الوقت ذاته ليس حراً طليقاً في رسم خطوط درامية تأخذ الحكاية وأبطالها إلى محطات ونهايات لا تنسجم مع المنطق والسيرورة الطبيعية. نتحدث هنا بالتحديد عن ظاهرة بتنا نطلق عليها ظاهرة الشخصيات الافتراضية: هناك دوماً مساحة اختلاف بين الواقع وصورته في الفن والأدب وهي مساحة مفهومة ومقبولة في حدود معينة لكنها ليست مفتوحة على المطلق، فالكاتب في هذه الحالة لا يستطيع الشطط وتقديم شخصيات «مصنوعة»، أو كما يقال شخصيات من ورق وليست من لحم ودم. هو خيط رفيع وبالغ الرهافة يفصل بين الحالين، فالواقعية ليست بالـــتأكيد النقل الحرفي من الواقع في ما يشبه النقل من أرشيف الحوادث، لكنها في الوقت ذاته ليست صورة للواقع تفارق حقيقته، حتى في تلك الروايات التي أطلق عليها النقد تسمية «الواقعية السحرية» كروايات ماركيز كانت «الغرائبية» إنما تحضر «لإيضاح» الواقع في صورة جمالية وليس لتغريبه بالتأكيد. هي لعبة الدراما، أو إذا شئنا الدقة أكثر لعبة الفن والأدب في تعبيرهما عن الحياة بأحداثها وتفاصيلها كما عن المشاعر الإنسانية والأفكار. لعلنا هنا بالذات نشير إلى واحدة من أهم ركائز الإبداع وهي التشابه والاختلاف بين ملامح الوجه في الواقع وملامحه في المرآة، فالشخص هو ذاته في الحالين، لكنه في المرآة يخضع لشروط المرآة وقوانينها «الفنية» إذا جاز التعبير. هي دائماً العلاقة الديموقراطية للإبداع بمادته وبمن يســـتدرجهم من الواقع ليلعبوا أدوارهم في حكاياته.