لم يصدِّق تيسير أحمد أن الرجل الذي سمع صوته على هاتف زوجته كان يسعى إلى التأكد من عدم تعرض زوجته للتحرّش ليس إلا. ولولا تمكُّن الأخير من إيضاح الأمور في شكل سريع، لانتهت حياته برصاصتين من مسدس أحمد. أحمد الذي شهد ورود اتصالات كثيرة من رقمين مجهولين على هاتف زوجته، ساورته الشكوك حينما دخل المنزل وسمعها تطلب من محدثها على الهاتف التفاهم لاحقاً حول الموضوع. وحينما سألها عن المتصل، أخبرته أنها صديقتها سهاد كانت تتحدث معها حول تفاصيل جمعية سيشتركان فيها. لكن عدم قناعة الأخير بما قالته زوجته دفعه للاتصال برقم الهاتف الذي كانت تتحدث إليه من رقمه الخاص فرد عليه رجل وليس صديقتها. ثورة الغضب التي كانت تعتريه في تلك اللحظة دفعته إلى إطلاق الشتائم والتوّعد بالقتل للمجيب الذي دفعته عصبيته هو الآخر إلى إرسال عنوانه كاملاً إلى أحمد برسالة نصية في غضون دقائق، مذيلاً بعبارة: «أنا في انتظارك، وسيكون آخر يوم في حياتك». انطلق الشاب كالمجنون مصطحباً زوجته التي سحبها معه بعنف نحو العنوان، وهجم على منزل الشخص المذكور مصوّباً مسدسه نحو رأسه. فكانت المفاجأة أن الرجل كان زوج صديقة زوجته، وأنه هو الآخر كان يجيب على الأرقام المجهولة التي ترد على هاتفها. ولأن أحمد اتصل من رقم غير مسجل على الهاتف، ردّ الزوج على الرقم وفوجئ بثورة أحمد وتوجيهه السباب له، فظنَّ هو الآخر أن أمراً ما يجري من دون علمه. الحادثة انتهت باعتذار الطرفين لبعضهما بعضاً وعودة أحمد مع زوجته إلى المنزل، ثم التوجه إلى المدرسة التي كانت تعمل فيها في اليوم التالي وتقديم استقالتها من العمل. تقول نسرين، زوجة أحمد: «كان ذلك الحل الوحيد أمامي لأتجنّب حماقات زوجي، خصوصاً بعد الحادثة التي كادت تنهي حياة زوج صديقتي وتنتهي بزوجي في السجن. فهو مستعد للعمل ساعات إضافية بعد عودته من وظيفته في وزارة الدفاع لتوفير حاجاتي وحاجات المنزل، على أن يقضي نصف يومه في قلق دائم أثناء وجودي في العمل». وتضيف: «كان يتصل بي عشرات المرات يومـياً، قبـل أن أعـود إلـى بـيتـنا ويـطرح عـشـرات الأسئلة حول مكان وجـودي والمُدرِّسات اللواتي أخرج معهن والأماكن التي نتبضع منها». أما أحمد فيقول: «أعلم أن غيرتي مجنونة، وتفوق الحدود، لكني لا أستطيع السيطرة على نفسي في كثير من الأحيان، وجلوسها في المنزل سيجلب لي راحة البال طوال النهار». ليليان علي عاشت قصةً أخرى انتهت بتركها الوظيفة هي الأخرى حينما فوجئت بزوجها وهو يزورها في مكان العمل في شكل مفاجئ، ويطرح عليها الأسئلة حول الموظفين الذين يعملون معها في المكان ذاته. تقول ليليان: «أفهمته مرات عدة أنني لا أتعامل مع أي أحد إلا في إطار العمل، لكنه ظل يضايقني بالأسئلة، فاقترحت عليه ممازحة أن يمنحني راتباً شهرياً لتغطية نفقاتي لأترك العمل، فوافق على الفور، ثم تركت وظيفتي». ولا تلعب غيرة الأزواج في العراق دوراً في ترك الوظائف وحسب، بل في اختيار الوظيفة أيضاً. فمن المألوف جداً أن يصطحب الزوج زوجته عند تقدمها للحصول على وظيفة معينة خصوصاً في القطاع الخاص، بل إن الكثيرين منهم يصممون على حضور المقابلة والاختبار من دون الشعور بالحرج. ويقول مدير مشروع العراق في إحدى المنظمات الدولية العاملة في العراق، طلب عدم ذكر اسمه: «كنت أشعر بالحيرة حينما تحضر إحدى المتقدمات لطلب وظيفة مترجمة أو منسِّقة برفقة زوجها، لكنني علمت لاحقاً أن هذا السلوك أمر طبيعي جداً في العراق». ويضيف: «بعضهم كان يتطوع للإجابة عن الأسئلة التي نطرحها على زوجته، وآخرون يطرحون علينا الأسئلة حول التمويل وساعات عمل الزوجة، بل ويستفسرون عن عدد النساء العاملات معنا في المشاريع». الغيرة أمرٌ مسلّم به من جانب الأزواج في العراق، بل إن الكثيرين يعتبرونها رمزاً للرجولة وينتقدون بعض أقرانهم الذين يعتبرون عمل المرأة أمراً عادياً وأن الغيرة لا علاقة لها بالعمل، وينتقدون رجولتهم في كثير من الأحيان، لكنهم في الوقت ذاته ينتقدون المرأة التي تغار على زوجها وتمارس السلوك ذاته ويتهمونها بعدم النضوج أو القصور في التفكير!