يشعرك أنّه منزعج لأنك دخلت في وقت متأخر، وهو متأهب للإقفال ربما، أو لأنه لم ينه سيجارته بعد يوم طويل من العمل، مع أن العمل في مكتبة حتى في قلب بيروت ليس متعبا، بقدر ما هو ممل من كثرة انتظار زبون لا يأتي. تنظر إلى سحنته وهندامه المنفر، وتتساءل ألا يوجد أفضل من هذا الموظف ليستلم مهمة بيع الكتب؟ ثم تعزي نفسك بأنك في مكتبة عريقة، تجاوز عمرها الثلاثين عاما، وحتما الرجل خبير في مجال عمله. تبتسم له و تسأل عن غرضك. يضع الرجل سيجارته في فنجان قهوة كرتوني بحركة تقززك لأنها لا يجب أن تكون في مكتبة، ثم تنتظره حتى ينهي إرسال رسالة على الواتس آب و يلتفت إليك سائلا عن عنوان الكتاب الذي تبحث عنه مرة ثانية، ثم لأي كاتب، ثم عن أي دار صدر... تنظر إليه مشدوهاً، ولن تفهم لماذا يستمر بمتابعة شيء ما على شاشة تلفونه إلا بعد لحظات، فالرجل يجري بحثا على غوغل عن الكتاب، وغوغل يعطيه إجابة مغايرة لما تبحث عنه، فتشرح له تشابه العناوين واختلاف الكتاب، وتحدد له مرة أخرى طلبك، وقد أخرجت صورة غلاف كتابك المطلوب ببحثك الخاص على هاتفك، فينظر للغلاف و يتذكر أين يمكن أن يجده... مجرّد محاولة، لأنه لن يتذكر أبدا، ستقف معه بين الرفوف، وأكوام الكتب ولن يعرف أبدا إن كان الكتاب متوفرا أم لا... تتأمله وقد تفلت أعصابك، فلا ترى بائع كتب، بل بائع خردة ليس إلاّ، ولعلّ الخردة بكل أنواعها أرقى من الكائن الذي أمامك، ولكنّه نصيبه وحظه العاثر الذي رماه ليعمل في وظيفة لا تليق بمقامه. يقلب بعض الكتب، ويغير مواضع بعضها قبل أن يعتذر منك، لأن الكتاب غير متوفر، أو هكذا قرر لأن عملية البحث عنه تتطلب فرز كومة القش تلك بحثا عن إبرة. تخرج وقد أصبت بالسكري والضغط مع اكتئاب مزمن، لأن تلك الجرعة كانت القطرة التي أفاضت كأس احتمالك، فهذا السيناريو المشغول بطرق متشابهة يتكرر معك في أغلب المكتبات التي تبيع الكتاب العربي، ودون تفسير حقيقي للظاهرة تكتشف سببا من أهم أسباب تراجع القراءة في العالم العربي، فهذه الدكاكين البائسة التي يعتقد البعض أنها مكتبات، لا تليق حتى لتخزين علف الحيوانات فكيف بإمكانها أن تستقطب أجيالا جديدة من القراء، مع ملاحظة أنها تخسر يوميا زبائنها القدامى وهذا ما يزيد حسرتك، لأنك تقفل راجعاً إلى بيتك، وتكتفي بانزال الكتاب مقرصناً من الأنترنت بكبسة زر. تفعل ذلك وأنت تعرف أنك توجه طعنة للكُتَّاب الذين تحبهم، وللكتاب الورقي وللأدب العربي ولضميرك الذي ينشطر بين زمنين، زمنك الذي تعيش فيه أنت، وزمن الجاحظ الذي يعيش فيه أصحاب المكتبات.