كنت أجلس على المقهى أعضّ أصابع الندم، وأسأل نفسي: "لماذا ترددت؟! لقد وعدك بأن التذاكر موجودة". وقبل بداية المباراة بوقت قصير، كنت كعادتي أتابع مواقع التواصل الاجتماعي، لأعرف بعض الأخبار عن فريقي المفضل، عن تشكيل الفريق، والمدير الفني الجديد، وعن الجماهير التي ستعود بعد غياب. بدأت بعض الحسابات تطلق أخباراً عن وفيات! أخذت أطمئن نفسي معللاً ذلك لنفسي؛ بأن أصحاب تلك الأخبار معارضون للنظام. زادت الأخبار حدة وقسوة، لم أصدق شيئاً وهممت بمشاهدة المباراة. بعد نهاية المباراة، تأكدت أن هناك مجزرة قد حدثت، في حقيقة الأمر ورغم أنه صار أمراً معتاداً طوال تلك السنوات السابقة، فإنني شعرت بهزة عنيفة لم أشعر بها من قبل، وتجرعت ألماً ووجعاً، نادراً ما تذوقتهما، لا أعرف لماذا؟! هل لأنني كان من الممكن أن أكون هناك؟! أشك في ذلك. أعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك؛ هو الوضوح التام لتلك الجريمة، لأنه كلما زاد الأمر وضوحاً زادت قسوته، فنحن دائماً نبحث عن المبررات حتى نخفف على أنفسنا وطأة الأحداث. في الثامن من فبراير/شباط من عام 2015، نُفذ حكم بالإعدام في مجموعة من جماهير الزمالك، تم اختيارها بشكل عشوائي، وإمعاناً في التنكيل تم اختيار طريقة تنفيذ الحكم بالموت دهساً! فأكثر أنواع القتل قسوة وخِسة، أن تموت صدفة تحت أقدام أخ لك مذعور لا يقصد قتلك. أنا لا أقصد إطلاقاً أن أفتح على نفسي وعليك جرحاً غائراً، رغم ما تحمله حياتنا في هذه الأيام من منغصات لا نستطيع نسيانها، ولكن لا أستطيع أن أصمت أمام أمرين أساسيين؛ يمثلان مشكلة حقيقية ستسمح بتكرار أحداث مماثلة في المستقبل. الأمر الأول: التعامل الأمني المفرط في القوة (الغشيم)، الذي تنتهجه أجهزتنا الأمنية كلما تعاملت مع أي تجمع، والذي تجلى في هذه الحادثة، بجوار الإهمال الشديد في واقعة إطلاق الغاز المسيل للدموع على مجموعة من الجماهير، شبه المحتجزة (المحشورة) داخل قفص حديدي، والفكرة المهينة أساساً؛ باستغلال عشق تلك الجماهير لناديها ولكرة القدم، ومن ثم إدخالهم بذلك القفص في طريقهم إلى المدرجات. لن نستطيع أن نحلم بمستقبل، طالما استمر احتقارنا للإنسان.. الأمر الثاني: لعبة كرة القدم هي الرياضة ذات الشعبية الأولى في العالم؛ لأنها أكثر رياضة ديمقراطية على هذه الأرض، فليست رياضة لطبقة معينة، كما أنك تستطيع أن تمارسها في أي مكان، بأي ملابس، ويمكنك أن تصنع الكرة من جواربك القديمة. ونظراً للشعبية الكبيرة للساحرة المستديرة، فجميع الأنظمة السياسية الفاشلة، وخصوصاً في دول العالم الثالث، لا تكل ولا تمل عن محاولاتها استخدام تلك الرياضة لتحقيق مكاسب سياسية. والمسألة تحوي تنوعاً في طرق الاستخدام، لكن المقصود الأساسي من وراء كل التدخلات هو (التغييب). وبالفعل، كانت تؤدي دورها عند الأزمات السياسية والاقتصادية. ببساطة، نثير أزمة رياضية، وتنشغل بها الجماهير عن الواقع الأليم لمجتمعها، والأمثلة كثيرة ومتعددة لن أستغرق في الحديث عنها الآن. للرياضة عامة وكرة القدم خصوصاً وظائف أخرى، أتمنى ألا نُفسد صدقها وسحرها بالسياسة. وأخيراً.. أود فقط أن أرسل برقية للغائبين.. أعزائي العشرين، أنتم في القلب دائماً، لن ننساكم.. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.