اغتيال محمد البراهمي، عضو المجلس الوطني التأسيسي وزعيم حزب التيار الشعبي وعضو قيادة الجبهة الشعبية المعارضة التي تمثل ائتلافا لأحزاب يسارية وقومية في 25 يوليو الماضي أدى إلى تعميق الأزمة السياسية والاحتقان الاجتماعي في عموم تونس.. ووفقا لتصريح وزيـر الداخلية فإن البراهمي اغتيل بنفس السلاح المستخدم في اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد في فبراير الماضي. تركزت مطالب المعارضة التونسية على ضرورة استقالة الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي الذي تستحوذ حركة النهضة فيهما على نصيب الأسد وذلك إثـر انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي جاءت في أعقاب ثورة شعبية عارمة أجبرت الرئيس التونسي السابق زيـن العابدين بن علي واضطرته إلى الفـرار من تونس في 14 يناير 2011 .. منذ ذلك الوقت تصدرت حركة النهضة التي كانت توصف بالاعتدال والوسطية، المشهد السياسي في تونس حيث حازت منفردة على حوالى 40% من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، غير أنها بخلاف إخوان مصر الذين مارسوا سياسة الغلبة والإقصاء وسعوا إلى الاستحواذ الكامل على مفاصل السلطة التنفيذية والتشريعية، فقد فضلت تشكيل حكومة إتلافية (الترويكا) تحت قيادتها وبمشاركة فصيلين علمانيين هما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي احتل زعيمه المنصف المرزوقي منصب رئيس الجمهورية، وكذلك حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والذي أسند إلى أمينه العام مصطفى بن جعفر رئاسة المجلس الوطني التأسيسي. واقع الأمر أنه في غالبية بلدان «الربيع العربي» تصدرت تنظيمات الإسلام السياسي وخصوصا فروع جماعة الإخوان المسلمين المشهد السياسي الذي يعود إلى عدة عوامل من بينها امتلاكها لتشكيل حديدي منظم وموحد، وقدرات تنظيمية ودعائية وتعبوية ومالية ضخمة، ناهيك عن شبكة اتصالاتها الإقليمية والدولية، وخصوصا مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي وجدت في الإسلام السياسي بديلا مقبولا للأنظمة المهترئـة من أجل المحافظة على استمرار مصالحها الإستراتيجية (ومصالح حليفتهم إسرائيل) الضخمة في المنطقة. بالطبع لا نستطيع تجاهل تخلف البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضعف التقاليد الديمقراطية والمدنية التي طمستها مدة عقود طويلة من الاستبداد، وكذلك تأثير العامل الديني في تحريك الوجدان الشعبي والمشاعر الدينية العميقة الجذور، وكذلك التعاطف العفوي مع المظلومية والتعسف الذي طال جماعات الإسلام السياسي ( كبقية القوى اليسارية والعلمانية) على يد الأنظمة الاستبدادية. الصورة المعتدلة «لإسلام مدني / ديمقراطي» التي حاولت حركة النهضة تظهـير نفسها من خلالها اعتبرتـه المعارضة التونسية بأنه يعبر عن تكتيك مرحلي وعن توجه نفعي (براجماتي) محض للحركة، وأنه يمثل اضطرارا لها للتكيف مرحليا مع واقع تونس التي على تماس وتداخل اقتصادي وثقافي وإنساني وسياحي مباشر مع أوروبا، وبالتالي هو ليس خيارا حقيقيا... المعارضة السياسية والمدنية التي استنفرت قواها في أعقاب اغتيال البراهمي نظمت مظاهرات حاشدة أمام المجلس التأسيسي، وشارك فيها عشرات الآلاف وذلك بمناسبة مرور ستة أشهر على اغتيال شكري بلعيد كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر منظمة نقابية الإضراب العام الذي نفذ بنجاح كبير.. ضمن هذا السياق حملت المعارضة الحكومة مسؤولية تفاقم الأزمة السياسية، نظرا لفشلها في مواجهة التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع منسوب الفقر والبطالة وخصوصا بين الشباب، إلى جانب حال التردي الأمني وتفشي مظاهر العنف والإرهاب في تونس والتي من إفرازاتها تتالي الاغتيالات بحق رموز المعارضة، والبروز الفعلي لتنظيم القاعدة كما هو حاصل في منطقة جبل الشعانبي. مطالب المعارضة تمحورت في إسقاط حكومة الترويكا وحل المجلس التأسيسي اللذين تتحكم فيهما حركة النهضة، والدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، أو حكومة تكنوقراط محايدة تشرف على الانتخابات القادمة، كما دعت إلى إعداد مشروع دستور جديد من قبل لجنة خبراء وبمشاركة الأطياف السياسية كافة. وردا على تلك المطالب اعتبرت حركة النهضة وعلى لسان رئيسها راشد الغنوشي بأن الحكومة والمجلس خط أحمر، وبأن ما حدث في مصر من حراك شعبي واسع لن يتكرر في تونس، والحذر من تكرار السناريو المصري في تونس، كما رفض رئيس الحكومة (من النهضة) علي العريض بدوره مبدأ الاستقالة. وفي محاولة توفيقية بين المواقف المتضاربة أعلن رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر تعليق أعمال المجلس ليتسنى البدء بحوار وطني شامل بين كافة الأطراف التونسية غير أن المباحثات التي جمعت حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل وبمشاركة رئيس المجلس التأسيسي وصلت إلى طريق مسدود .. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو مستقبل تونس التي كانت السباقة في إشعار الثورات في «بلدان الربيع العربي» وفي ضوء أزمتها البنيوية والمركبة على جميـع الأصعدة والمستويات، واستفحال الصراع السياسي مابين المعارضة السياسية والمدنية والنقابية من جهة، وتيارات الإسلام السياسي وخصوصا حركة النهضة من جهة أخرى، وبالتالي هل سنشهد تونس تسير على خطى مصر، في التخلص من سيطرة «الإسلام السياسي»؟. na_alkhonaizi@yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة