تبدو الأهداف التي تتطلع إليها كل من الصين وألمانيا أكبر دولتين في العالم من حيث حجم الصادرات من أجل زيادة حركة التجارة بينهما مستحيلة التحقيق وذلك رغم زيارة شي جين بينغ لبرلين التي كانت أول رحلة يقوم بها رئيس صيني إلى ألمانيا منذ ثماني سنوات، بل إن الشركات الألمانية بدأت تعيد النظر في توجهها الجريء نحو الصين، وفقاً لـ "رويترز". في عام 2012 عندما زار رئيس الوزراء الصيني حينذاك وين جيا باو برلين أعلن أن هدفه هو زيادة التجارة الثنائية إلى 280 مليار دولار بحلول عام 2015 وبدا أن هذا الهدف طموح وإن كان واقعيا في ذلك الوقت في ضوء نمو التجارة 54 في المائة إلى 180 مليار دولار في العامين السابقين. كانت العلاقات على مستوى الأعمال مزدهرة وتمثلت في أرقى صورها في الصفقة التي أبرمتها شركة ساني الصينية للبناء لشراء شركة بوتسمايستر قبل شهور من وصول رئيس الوزراء وين، وكانت ألمانيا تتصدى لأزمة الديون في منطقة اليورو وتحرص على توثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع بكين. غير أنه بعد مرور عامين توقف النمو السريع في حركة التجارة الثنائية بل تراجعت قيمته باليورو واتجهت الشركات الألمانية لتنويع نشاطها بدخول أسواق ناشئة أخرى في إفريقيا جنوبي الصحراء وأمريكا اللاتينية إذ جفلت من الأجور الصينية المتصاعدة وتباطؤ النمو والضغط الرسمي للتوسع في مناطق تعاني اضطرابات في غرب الصين، وظهرت فجأة إلى جانب الصين دول مثل غانا وكولومبيا كأهداف لها الأولوية لدى الشركات الألمانية. وقال ستيفان ماير العضو التنفيذي في مجلس إدارة اتحاد الصناعات الألمانية في برلين "كنا نركز على آسيا. أما الآن فقد بدأت شركات كثيرة تتساءل عن السير في اتجاه آخر. فهذه الشركات التي استثمرت بشدة في الصين بدأت تنظر إلى وجودها بنظرة أكثر تدقيقا". وتعتبر العلاقات الاقتصادية التي تربط ألمانيا بالصين أكبر بكثير من تلك التي تربط نظراءها في أوروبا ببكين، فقد تحركت الشركات الألمانية وعلى رأسها الشركات الكبرى لصناعة السيارات لدخول الصين بوتيرة أسرع وأجرأ من كثير من منافساتها. وكانت شركة فولكسفاجن أول شركة أجنبية لصناعة السيارات تبدأ نشاطها في الصين قبل أكثر من 30 عاما، وفي العام الماضي استحوذت الصين على خمس مبيعات بي. إم. دبليو مقارنة بحصتها البالغة 13 في المائة في السوق الألمانية. ويتجاوز حجم التجارة السنوي بين الصين وألمانيا تجارة الصين مع فرنسا وبريطانيا وإيطاليا مجتمعة، لكن التوقعات الكبيرة لحجم التبادل التجاري عندما كان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دور مهيمن في أزمة الديون في منطقة اليورو تراجعت ليحل محلها إحساس أكثر واقعية بما يمكن إنجازه على مستوى العلاقات الثنائية. ورحبت برلين وعواصم غربية أخرى بقرار الصين هذا الشهر الخروج على ارتباطها بروسيا والامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار يقضي بإدانة الاستفتاء الذي أجري في القرم على الانفصال عن أوكرانيا، ومع ذلك فلا تفاؤل يذكر أن تنفصم عرى الشراكة الاستراتيجية التي تربط الصين بموسكو في قضايا دولية أخرى ذات أهمية عالمية. إلى جانب ذلك يوجد بعض التوتر في الدوائر السياسية وعلى مستوى الشركات من أن تسبب العلاقات الوثيقة التي تربط ألمانيا بالصين نوعا من الاعتماد غير الصحي على بكين. ويعتقد سباستيان هايلمان مدير معهد مركاتور للدراسات الصينية في برلين أن فترة شهر العسل بين ألمانيا والصين بلغت نهايتها، فقد تبددت الآمال في بكين، أن تصبح ألمانيا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي ثقلا سياسيا موازيا للولايات المتحدة بعد الموقف الموحد الذي اتخذه الغرب من الأزمة الأوكرانية والخطط الرامية لإبرام اتفاق طموح للتجارة الحرة بين بروكسل وواشنطن. وبالنسبة للشركات الألمانية اكتنفت الآفاق التي تتيحها السوق اليابانية صورة اقتصادية أقل وردية وحملات لحماية المستهلكين تستهدف الشركات الأجنبية ومخاوف تتعلق بالأمن الإلكتروني ومخاطر سياسية. وقال ساندشنايدر إن التنويع هو الآن العنوان الكبير في الصناعة الألمانية مضيفا أنه لا أحد يريد وضع كل بيضه في السلة الصينية التي تكتنفها الشكوك.