×
محافظة المنطقة الشرقية

بالصور.. ابن الأحساء “الفرحان” يتقدم فناني السعودية في “مخيم النحاتين الدولي” بعمان

صورة الخبر

بيدين نحيلتين وجسد أنهكته سنون العمر، يُواصل السبعيني أبو أيمن الاعتناء بأشجار زيتونه الرومي في بطن الوادي حيث أرضه، بيد يمسح قطرات العرق التي شقت طريقها فوق وجنتيه، وبأخرى يزيل أغصانا من المُرَّار زائدة خرجت في جذع الشجرة الأم. من أعلى ربوة صغيرة في قرية زبدة قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، يمكنك أن تميز أرض محمد مصطفى (أبي أيمن) تظهر كما لو كانت قطعة فنية جميلة رسمت بأيدي أمهر الفنانين وأعرقهم. يعود تاريخ "الرومي" إلى العهد الروماني في فلسطين قبل أكثر من ألفي عام، وينتشر بمناطق فلسطينية عدة، ويكثر بأماكن دون سواها، كما هو حال القرية التاريخية زبدة، ويدل على ذلك التجويفات داخل الأشجار وتعرَّقاتها. ويواظب أبو أيمن على فلاحة أرضه وعمارة أشجارها القديمة منذ أن آلت لملكيته الخاصة قبل سنوات طويلة، فهو بغير ذلك لن يقطف ثمارها، ويردد قائلا "الأرض إذا تعطيها تعطيك". بدت أراضي المواطنين في قرية زبدة -ومنها أرض أبي أيمن- كأنها قطعة فنية أعدت بأيدي فنانين (الجزيرة) حب وعناية حين وصلنا أرض أبي أيمن بعد مسير طويل على الأقدام، أدركنا شيئا يسيرا من الحب الذي يكنه الرجل لزيتونه وأرضه، إنه يعتني بها كما لو كانت من أبنائه السبعة. ومن بين جذع زيتون انفصل عن بعضه لقدمه، ظهر الرجل وهو يحرث الأرض بجراره الزراعي، ومن الأشجار ما يمكنها أن تحتضن ثلاثة رجال أو أكثر داخلها. "لم أنقطع يوما عن زيتوني، تارة أقلم الأغصان والأعشاب وتارة أتحدث معها وأغازلها، نظمت فيها نثرا وحكايات"، هكذا حدثنا أبو أيمن عن زيتونه الرومي بعد أن ترجَّل من على ظهر جراره. ويملك أبو أيمن -الجد لأكثر من ثلاثين حفيدا- ما يزيد على 150 زيتونة رومية ومئات من الأشجار الأخرى، بعضها كان يغرسه لحظة أن وصلنا للقائه، فالعمل ديدنه، وهو يجني سنويا نحو أربعة أطنان من الزيت. ويحافظ السكان في زبدة -التي تسمى بالكنعانية حمآه وتعني: صفوة الشيء- على زيتونهم الرومي لاعتبارات تاريخية وتراثية، وبما يبقي على رونق القرية وجمالها الطبيعي. أحد البدود السبعة التي كانت موجودة في قرية زبدة الأثرية وهي معاصر حجرية لعصر الزيتون (لجزيرة) حماية من الاحتلال وتضم زبدة مئات أشجار الزيتون الرومي، وهي من أغنى القرى الفلسطينية مقارنة بعدد سكانها الذين لا يتجاوزون ألفي نسمة، إنهم يعملون على حمايتها بكل الطرق خاصة من الاحتلال الإسرائيلي وصلف البناء العشوائي، بحسب ما يقول رئيس المجلس القروي صالح عمارنة. وكونه مزارعا أيضا، يدافع عمارنة عن تلك الأشجار، ويسعى للحيلولة دون اقتلاعها وإيجاد البديل للبناء. ويوضح عمارنة أنهم يعملون على توسعة المخطط الهيكلي للقرية باتجاه مناطق جبلية، وليس نحو الأراضي المزروعة بالزيتون الرومي، ونقل ما يقتلع قسرا منها وغرسه في مكان آخر كخيار بديل. ويؤكد أن الاحتلال اقتلع وسرق أثناء تشييده الجدار العنصري أكثر من ثلثي مساحة القرية التي تقدر بنحو عشرة آلاف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وبها المئات من الزيتون الرومي، وحوّل معظم ما تبقى إلى مناطق "سي" الخاضعة لسيطرته وحرم الفلسطينيين من استغلالها. ومثل أبي أيمن، يملك عمارنة زيتونا روميا، ويعتبره موروثا ثقافيا، ويعتني به بطريقة حرفية يحافظ عليها من القلع، عبر التجديد بتقليم الأغصان وإزالة العفن والقديم منها وتسميدها عضويا والمداومة على حراثتها. عمارنة أكد أنهم يحاولون بكل الطرق منع اقتلاع الزيتون الرومي (الجزيرة) عمق التاريخ تقول الروايات إن الرومان أتوا ببذور الزيتون الروماني أو النبالي -نسبة لمدينة نابولي الإيطالية- وزرعه السكان العرب الفلسطينيون. ويتميز بضخامة ساقه التي يتعدى قطرها العشرة أمتار أحيانا، ويمتاز بوفرة زيته وكبر ثماره التي كانت "تسرج بها قصور روما". ودل على ذلك، وفق ما يقوله الباحث التاريخي الفلسطيني ممدوح برَّي، انتشار الجباب (الآبار) الضخمة المستخدمة لتخزين الزيت. وانتشر هذا الزيتون أكثر بالقرب من الحاميات العسكرية الرومانية وفي محيطها، "وحيث وجد وجدت عراقة المكان وتاريخه"، كما ذكر برَّي. وهذا ما يؤكده أهالي زبدة التي تحوي أكثر من خمسين مقبرة قديمة مطمورة وأماكن أثرية تحوي سبعة بدود (معاصر حجرية للزيتون) لا يزال بالإمكان رؤية بعضها. وأمام هذه الكنوز يبقى هاجس أبي أيمن ومواطني زبدة وغيرها في فلسطين، محاولات الاحتلال وسماسرته سرقة هذه الأشجار وإغراء ضعاف النفوس بالمال أو التضييق عليهم لخلعها والبناء مكانها. الاحتلال عزل أراضي قرية زبدة وصادر معظمها عبر تشييده للجدار العنصري (الجزيرة)