تقاس حضارة الأمم ورقيها عبر العصور بما ترجم منها وإليها، فأزهى العصور الإسلامية نشطت فيها الترجمة، وكان حنين بن إسحاق المترجم الموسوعي والطبيب المعروف يعد من كبار المترجمين في ذلك العصر، وكان يجيد - بالإضافة للعربية - السريانية والفارسية واليونانية. قام بترجمة أعمال جالينوس وأبقراط وأرسطو والعهد القديم من اليونانية، وقد حفظت بعض ترجماته أعمال جالينوس وغيره من الضياع. عينه الخليفة العباسي المأمون مسؤولاً عن بيت الحكمة وديوان الترجمة، فكان يأخذ وزن الكتاب ذهباً. وجه العرب جهودهم إلى مختلف أوجه العلم بكل حماسة عندما انتهت مرحلة الفتوحات الكبيرة في تاريخ الإسلام فأمر الخليفة المأمون بإنشاء دار الحكمة في بغداد وعين عليها حنين بن إسحاق، فقام ومن معه بترجمة كل ما تقع عليه أيديهم من مخطوطات إغريقية، وفارسية أو هندية، فازدهرت الحضارة العربية وتسيدت العالم مكاناً وزماناً وباتت قبلة لكل طالب علم. ولا يخفى علينا أن الترجمة جسر يعبر عليه الاستعداد للحوار مع الآخر ومعرفة ما لديه والثقة بما يقدمه، والاستفادة من منجزاته في ضخ عروق جديدة إلى النسيج الحضاري المتجدد.. فأين أصبحنا الآن؟ يقول الدكتور لويس ميغل في ندوة على هامش معرض الرياض للكتاب مستعرضاً حركة الترجمة من العربية إلى الإسبانية: (هناك ترجمات شعرية وروائية كترجمة يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم، وترجمة الثلاثية لنجيب محفوظ)، وأردف قائلاً: (إن ما ترجم لمحفوظ نحو 40 عملاً). يمكن أن نستشف الكثير مما قاله، ولكنني سوف أركز هنا على نوعية ما ترجم. وما قاله د. ميغل في الفقرة السابقة كان في سياق كلام عن الترجمة المعاصرة أي الأدب المعاصر. وذكر عملين لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ علماً بأن يوميات نائب في الأرياف صدرت عام 1937م، وأصدر نجيب محفوظ ثلاثيته بين عامي 1956م – 1957م أي أكثر من نصف قرن على صدور العملين، ويبدو أن هذا أبرز ما ترجم. وهل هذه الترجمات تمت لحصول محفوظ على جائزة نوبل أم ماذا؟ ويبرز السؤال هنا: أين أدبنا العربي المعاصر.. أي منذ 60 عاماً إلى الآن؟ هل ما ينتجه العرب لا يستحق الترجمة؟ أو ليس بالمستوى المطلوب؟ أين هم الأدباء والشعراء والكتاب الذين ملؤوا الدنيا صخباً وضجيجاً؟ أم أن الغرب ينظر إلينا بدونية ويرى ماضينا فقط (وهي ظاهرة فيزيائية كونية.. فنحن نرى من النجوم ماضيها لبعدها السحيق عنا)، كلها تساؤلات تطرح نفسها. وعودة لما قاله دكتور ميغل فإنه يضيف بأن هناك كتاباً عرباً آخرين يترجم لهم إلى الإسبانية، وذكر الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، ومحمود درويش، علماً بأن بن جلون ومعلوف يكتبان بالفرنسية، أي أن اللغة المترجم عنها ليست العربية، أما عن الأدب السعودي فالوضع محزن، ففي دراسة أخرى نشرت تقول إن ما ترجم إلى الإسبانية من الأدب السعودي عملان فقط هما لعبدالرحمن منيف (ت 2004م)، وحسن عبدالله القرشي (ت 2004م). وفي الختام وحسب الإحصاءات نحن نترجم إلى العربية القليل.. ويترجم لنا الغرب أقل من القليل.. فأين الخلل وأين مكاننا في هذا العالم؟!